للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حقوقهم.

٣٢ - {قَالُوا}؛ أي: قال قومُ نوح له؛ أي: جاوبوه بغير ما تقدم مِنْ كلامهم وكلامِه عجزًا عن القيام بالحجة، وقصورًا عن رتبة المناظرة، وانْقِطاعًا عن المباراة بقولهم: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا}؛ أي: خاصَمْتَنَا بأنواع الخصام، وحاجَجْتَنَا بضروب الحجج، {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}؛ أي: خصومَتَنا، ودفاعنا بكل حجة لها مدخل في المقام، واستقصيت فيه، فلم تدع حجة إلا ذكرتها حتى مللنا وسئمنا، ولم يَبْقَ لنا في هذا الباب شيءٌ من الجواب، فقد ضاقَتْ علينا المسالك، وانسدَّتْ أبوابُ الحِيَلِ، ولم يَبْقَ لدَيْنا شيء نَقُولُه كما قال في سورة نوح حكايةً عنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦)} قال أبو السعود: فَأكْثَرْتَ جِدَالنا؛ أي: شَرَعْتَ في الجدال، فأكثرت، أو جادلْتَنا؛ أي: أرَدتَ جِدالَنا فأكثرتَ جِدَالَنا، فلا بُدَّ من أحد هذين التأويلين لِيَصِحَّ العطف، انتهى. {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا}؛ أي: بالذي تعدناه، وتُخْبِرَنا به من عذاب الله الدنيوي الذي تَخَافُه علينا، وهو الذي أراده بقوله: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فيما تقولُه لنا؛ أي: إن كنتَ صادقًا في دَعْواكَ أنَّ اللَّهَ يعاقبنا على عصيانه في الدنيا قبلَ عقابِ الآخرة.

وإنَّما كثرت مُجَادَلتُهُ لهم؛ لأنه أقام فيهم ما أخبر الله به ألْفَ سنة إلا خمسينَ عامًا، وهو كل وقت يدعوهم إلى الله، وهم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم، وقرأ (١) ابن عباس: {فأكثرت جدلنا} كقوله: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}. قال أبو البقاء: قوله تعالى: {قَدْ جَادَلْتَنَا} الجمهور على إثبات الألف، وكذلك: {جدلتنا} فأكثرتَ جدلنا بغير ألف فيهما، وهو بمعنى غلبتنا بالجَدَل، انتهى.

٣٣ - {قال} نوح لقومه حين استعجلُوه بإنزال العذاب يا قوم {إِنَّمَا} ذلكم العذاب بيد الله لا أملكه، وهو الذي {يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ}؛ أي: إن تعلقت مشيئته به في الوقت الذي تَقتضيه حكمتُه، فإن قضَتْ مشيئته، وحكمته بتعجيله .. عَجَّلَهُ لكم،


(١) البحر المحيط.