للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَيُحْيِ الْأَرْضَ} بالمطر والنبات {بَعْدَ مَوْتِهَا}؛ أي: بعد قحلها ويبسها، وهو شبيه بإخراج الحي من الميت {وَكَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك الإخراج {تُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياءً إلى موقف الحساب، فإنه أيضًا يعقب الحياة الموت.

خلاصته: أن الإبداء والإعادة في قدرته سواء، قال مقاتل: يرسل الله يوم القيامة ماء الحياة من السماء السابعة، من البحر المسجور، بين النفختين، فينشر عظام الموتى، وذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} فكما ينبت النبات من الأرض بالمطر، فكذا ينبت الناس من القبور بمطر البحر المسجور كالمني، ويحيون به.

والمعنى: أي وكما سهل حركة النائم الساكن بالانتباه، وإنماء الأرض بإنباتها بعد موتها، يسهل عليه إحياء الميت وإخراجه من قبره لفصل القضاء.

وقرأ الجمهور (١): {تخرجون} بالتاء المضمومة مبنيًا للمفعول، وقرأ حمزة والكسائي، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش: بفتح تاء الخطاب وضم الراء، مبنيًا للفاعل، فأسند الخروج إليهم كقوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}.

٢٠ - ثم ذكر سبحانه آياته من بدء خلق الإنسان آيةً آيةً إلى حين بعثه من القبر، فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ}؛ أي: ومن آياته سبحانه وتعالى، وعلاماته الدالة على بعثكم {أَنْ خَلَقَكُمْ} يا بني آدم في ضمن خلق آدم؛ لأنه خلقه منطويًا على خلق ذرياته انطواءً إجماليًا، أو بوساطة خلق غذائكم {مِنْ تُرَابٍ} لم يشم رائحة الحياة قط، ولا مناسبة بينه ولا بين ما أنتم عليه في ذاتكم وصفاتكم، وإنما خلق الله (٢) الإنسان من التراب، ليكون متواضعًا ذلولًا حمولًا مثله، والأرض وحقائقها دائمة في الطمأنينة والإحسان بالوجود، ولذلك لا تزال ساكنةً وساكتةً، لفوزها بوجود مطلوبها، فكانت أعلى مرتبةً، وتحققت في مرتبة العلو في عين السفل، وقامت بالرضي.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.