وقيل المعنى (١): فانظر يا محمد كيف كان عذابي عليهم؟ وكيف كان حال منذري لمن أنذرهم نوح فلم يؤمنوا. ثم إنه تعالى لما أجاب دعوة نوح بأن أغرقهم أجمعين قال استعظامًا لذلك العقاب، وإيعادًا لمشركي مكة: فكيف كان عذابي الذي عذبتهم به، وكيف كان عاقبة إنذاري، اهـ زاده.
والمعنى: أي ما أشد ما أنزلته بهم من البوار والهلاك، وما أفظع إنذاري لهم بما أحللته بهم من النقمة بعد النعمة، وهكذا عاقبة كل مكذب جبار. ولا يخفى ما في هذا من شديد الوعيد، وعظيم التهديد لكل باغ عنيد ساخط على الرسل، مكذب بربه.
والخلاصه: انظر كيف كان عذابي لمن كفر بي، وكذب رسلي؟ وكيف انتصرت منهم لهم، وأخذت أعدائهم بما يستحقون.
١٧ - ثم ذكر أن هذا القصص، وأمثاله إنما ذكر للعبرة، لا ليكون قصصًا تاريخيًا يتلى, فقال:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ} إلخ، جملة قسمية، وردت في أواخر القصص الأربع تنبيهًا على أن كل قصة منها مستقبلة بإيجاب الإدّكار، كافية في الازدجار, ومع ذلك لم تقع واحدة في حيز الاعتبار؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد سهلنا القرآن لقومك بأن أنذلناه على لغتهم، كما قال تعالى:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} ووشحنا فيه بأنواع المواعظ والعبر، وصرفنا فيه من الوعد والوعيد. {لِلذِّكْر}؛ أي: للتذكير والاتعاظ. وعن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا قول الله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} لما أطاقت الألسن أن تتكلم به". وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عَزَّ وَجَلَّ.
أي: ولقد سهلنا لفظه, ويسرنا معناه، وملأناه بأنواع العبر والمواعظ ليتعظ به من شاء، ويتدبر من أراد. {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)}.
{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}؛ أي: فهل من متعظ به مزدجر عن معاصيه، أي: ما أقل من تذكر به، واتعظ بأمره ونهيه. فهو استفهام إنكار، ونفي للمتعظ على أبلغ وجه