للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصيحة؛ أي: فأتياهم فبلغاهم الرسالة، فاستكبروا عن اتباعها، اهـ "أبو السعود". وأعظم الكبر أن يتعاظم العبيد عن قبول رسالة ربهم بعد تبيينها واستيضاحها.

٧٦ - {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ}؛ أي: فلما جاء فرعون وقومه الحق، الذي جاء به موسى من عند الله تعالى، من الحجج والمعجزات الدالة على الربوبية والألوهية {قَالُوا} من فرط عتوهم وعنادهم {إِنَّ هَذَا} الذي جاء به موسى {لَسِحْرٌ مُبِينٌ} واضح لمن رآه وعاينه يعرفه كل أحد قالوا (١): - لحبهم الشهوات - إن هذا لسحر مبين، وهم يعلمون أن الحق أبعد شيء من السحر، الذي ليس إلا تمويهًا وباطلًا، ولم يقولوا: إن هذا لسحر مبين إلا عند معاينة العصا وانقلابها، واليد وخروجها بيضاء، ولم يتعاطوا إلا مقاومة العصا، وهي معجزة موسى التي وقع فيها عجز المعارض. وقرأ (٢) مجاهد وابن جبير والأعمش: {لساحر مبين} جعل خبر إن اسم فاعل، لا مصدرًا. لقراءة الجماعة.

٧٧ - {قَالَ} لهم موسى على وجه الإنكار والتوبيخ {أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ} الواضح الظاهر وهو أبعد الأشياء عن السحر، الذي هو باطل {لَمَّا جَاءَكُمْ}؛ أي: حين جاءكم إنه سحر، من غير أن تترووا، وتتدبروا فيه، وما ترونه بأعينكم من آيات الله، وترجف له قلوبكم من عظمته، لا يمكن أن يكون سحرًا من جنس ما تعرفونه وتصنعونه بأيديكم، ومقولهم محذوف، كما قدرناه في الحل آنفًا، بقولنا: إنه سحر. والاستفهام هنا وفيما بعده للإنكار، كما أشرنا إليه. ثم استأنف إنكار ما قالوه فقال؛ {أَسِحْرٌ هَذَا} خبر ومبتدأ؛ أي: أسحر هذا الحق الذي جئت به الذي أمره واضح مكشوف وشأنه مشاهد معروف، لا يعني إنه ليس بسحر. وجملة قوله: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} في محل نصب على الحال من واو أتقولون، والرابط هو الواو بلا ضمير، كما في قول من قال: جاء الشتاء ولست أملك عدة؛ أي: أتقولون للحق إنه سحر، والحال أنه؛ أي: أن الشأن والحال لا يفلح الساحرون، أي: لا يظفرون بمطلوب ولا يفوزون بخير ولا ينجون من مكروه، فكيف يقع في هذا من هو مرسل من عند رب العالمين؟ وقد أيده بالمعجزات


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.