للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ}؛ أي: للمستأذنين الذين أذنت لهم {اللَّهَ} سبحانه وتعالى بعد الإذن، فإن الاستئذان، وإن كان لعذر قوي، لا يخلو عن شائنة تفضيل أمر الدنيا على الآخرة. ففيه إشارة إلى أن الأفضل، أن لا يحدث المرء نفسه بالذهاب، فضلًا عن الذهاب، أو أن الاستغفار في مقابلة تمسكهم بآداب الله تعالى، في الاستئذان؛ أي: وادع الله لهم، أن يتفضل عليهم بالعفو، والغفران عن تبعات ما بينه وبينهم. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ} أي: كثير المغفرة لذنوب عباده التائبين. {رَحِيمٌ} كثير الرحمة بهم، فلا يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.

وفي الآية بيان حفظ الأدب، بأن الإِمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور المسلمين، ينبغي أن لا يرجعوا إلا بإذنه، ولا يخالفوا أمير السرية، ويرجعوا بالإذن إذا خرجوا للغزو ونحوه، وللإمام أن يأذن، وله أن لا يأذن إلا على ما يرى. فمن تفرق بغير إذن صار من أهل الهوى والبدع. وكان عليه السلام إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد رجل الخروج وقف حيث رواه، فيأذن له إن شاء.

٦٣ - وبعد أن ظهر في هذه السورة شرف الرسول، ولا سيما في هذه الآية التي بهرت العقول، أردف هذا ما يؤكده، فقال: {لَا تَجْعَلُوا} أيها المؤمنون {دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُم} إما مصدر مضاف (١) إلى الفاعل؛ أي؛ لا تجعلوا دعوته وأمره إياكم في الاعتقاد والعمل بها {كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} أي: لا تقيسوا دعوته إياكم إلى شيء من الأمور، على دعوة بعضكم بعضًا في جواز الإعراض والمساهلة في الإجابة، والرجوع بغير إذن، فإن المبادرة إلى إجابته - صلى الله عليه وسلم - واجبة، والمراجعة بغير إذنه محرمة، بل أجيبوه فورًا وإن كنتم في الصلاة. إذا كان أمره فرضًا لازمًا. وهذا قول المبرد والقفال: ومختار أبي العباس، وأقرب إلى نظم الآية. كما قاله ابن عادل والرازي وغيره.

وقيل (٢): لا تجعلو دعاء الرسول ربهُ مثل ما يدعو صغيركم وكبيركم، فإنه


(١) روح البيان.
(٢) المراح.