للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمَا كُنتَ} يا محمَّد شاهدًا {لَدَيْهِمْ}؛ أي: حاضرًا عند المتنازعين {إِذْ يَخْتَصِمُونَ}؛ أي: حين يتنازعون تنافسًا في كفالتها؛ أي: وما كنت عندهم إذ يتقارعون على تربية مريم، وإذ يختصمون بسببها، فتخبر قومك عن مشاهدة. ولا كنت قارئًا فتخبرهم عن دراسة، فلزم كون ذلك بطريق الوحي الدال على نبوتك.

وذلك أن حنة لما ولدت مريم .. أتت بها سدنة بيت المقدس، وقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فتنافس فيها الأحبار؛ لكونها بنت إمامهم ورئيسهم، أو لكونها حررت لعبادة الله وخدمة المسجد، فاقترعوا عليها، فخرجت القرعة لزكريا؛ أخذها ورباها كما سبق. قال ابن كثير: وإنما قدر الله كون زكريا كافلًا لها؛ لسعادتها، ولتقتبس منه علمًا جمًّا وعملًا صالحًا.

وفي "الفتوحات الإلهية" (١): واعلم أن هذا الكلام ونحوه كقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ} وإن كان معلومًا انتفاؤه جارٍ مجرى التهكم بمنكر الوحي يعني: أنه إذا علم أنك لم تعاصر أولئك ولم تدارس أحدًا في العلم .. فلم يبقَ اطلاعك عليه إلا من جهة الوحي. انتهى.

٤٥ - واذكر يا محمَّد لأمتك قصة {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ}؛ أي: جبريل لمريم وقرأ ابن مسعود وابن عمرو: {إذ قال الملائكة}. {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ}: سبحانه وتعالى {يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ}؛ أي: بولد مخلوق بكلمة واقعة من الله سبحانه وتعالى، وهي كلمة: كن؛ أي: من غير واسطة الأسباب العادية، فإن غير عيسى من كل مخلوق، وإن وجد بكلمة: كن، لكنه بواسطة أب، وقوله: {مِنْهُ} نعت لـ {كلمة} و {من} للابتداء؛ أي: كلمة كائنة من الله؛ أي: مبتدأة وناشئة منه تعالى.

واعلم (٢): أن أول المبشر به قوله: {بِكَلِمَةٍ}، وآخره قوله: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وقوله: {قَالَتْ رَبِّ} إلى قوله: {فَيَكُونُ} اعتراض في خلال المبشر به، فالمبشر به نحو خمسة عشر شيئًا: كونه ولدًا، وكون اسمه كذا، وكونه وجيهًا،


(١) الجمل.
(٢) الجمل.