علمهم ذلك بطريق الإجمال بنحو قوله:{وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ}، ليستدلوا بذلك على عظمة الخالق، وسعة ملكه، وجلالة قدره.
والخلاصة: تنزه ربنا خالق هذا الخلق العظيم، من نبات وحيوان وإنسان، وخالق، ما لا نعلم مما لا ندرك كنهه ولا نعلم حقيقته عن كل نقص لا يليق بجليل عظمته. وفيه الدليل على عظيم قدرته، وواسع ملكه.
٣٧ - {وَآيَةٌ لَهُمُ}؛ أي: علامة عظيمة لأهل مكة على كمال قدرتنا. وهو مبتدأ، خبره قوله:{اللَّيْلُ} المظلم، كأنه قيل: كيف كان آية؟ فقيل:{نَسْلَخُ} ونزيل، وننزع، ونكشط {مِنْهُ}؛ أي: من الليل {النَّهارَ} المضيء؛ أي: نزيل ضوء النهار ونكشفه عن مكان الليل، ونلقي ظله بحيث لا يبقي معه شيء من ضوئه، الذي هو شعاع الشمس في الهواء. مستعار من السلخ، وهي إزالة ما بين الحيوان وجلده من الاتصال، وإن غلب في الاستعمال تعليقه بالجلد، يقال: سلخت الإهاب بمعنى أخرجتها عنه. قال المرزوقي: دلت الآية على أن الليل قبل النهار؛ لأن المسلوخ منه يكون قبل المسلوخ، كما أن المعطي قبل العطاء.
{فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ}؛ أي: داخلون في الظلام مفاجأة، فإن {إذا} للمفاجأة؛ أي: ليس لهم بعد ذلك أمر سوى الدخول فيه. وفيه رمز إلى أن الأصل هو الظلمة، والنور عارض متداخل في الهواء، فإذا خرج منه أظلم. فعلى هذا المعنى، كان الواقع عقيب إذهاب الضوء عن مواضع ظلمة الليل هو ظهور الظلمة، كما كان الواقع عقيب سلخ الإهاب هو ظهور المسلوخ. وأما على معنى الإخراج فالواقع بعده هو الإبصار دون الإظلام، والمقام حينئذ مقام أن يقال: فإذا هم مبصرون، لكن لما كان الليل زمان ترح وألم وعدم إبصار، والنهار وقت فرح وسرور وإبصار، جعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب إخراج النهار من الليل بلا مهلة، إذ زمان السرور ليس فيه مهلة حكمًا، وإن كان ممتدًا، بخلاف زمان الغم، فإنه كان فيه المهلة، وإن كان قصيرًا، كما قيل: سنة الوصل سنة، وسنة الهجر سنة. ولبعضهم:
ويوم لا أراك كألفِ شهرِ ... وشهرٌ لا أراك كألفِ عامِ