للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتعالى رفع المجاهدين على القاعدين بغير عذر درجة لا يقدر قدرها ولا يدرك كنهها، وهي ما خولهم الله تعالى عاجلًا في الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل ودفع شر الأعداء عن الأمة والبلاد، {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}؛ أي: ووعد الله تعالى كلا ممن جاهد وقعد عن الجهاد عجزًا منه، مع تمني القدرة عليه، المثوبة الحسنى: وهي الجنة، فكل منهما كامل الإيمان، مخلص لله تعالى في العمل.

وقيل المعنى: وفضل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله {عَلَى الْقَاعِدِينَ} أولي الضرر {دَرَجَةً}؛ أي: فضيلة واحدة في الآخرة لأن المجاهد باشر الجهاد بنفسه وماله مع النية، وأولو الضرر كانت لهم نية ولم يباشروا الجهاد، فنزلوا عن المجاهدين درجة، قال ابن عباس: أراد بالقاعدين هنا أولي الضرر، {وَكُلًّا} من المجاهدين والقاعدين مطلقًا {وَعَدَ اللَّهُ} لهم {الْحُسْنَى}؛ أي: الجنة بإيمانهم {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ} في سبيل الله تعالى {عَلَى الْقَاعِدِينَ} الذين لا عذر لهم ولا ضرر {أَجْرًا عَظِيمًا}؛ أي: ثوابًا جزيلًا وأجرًا وافرًا،

٩٦ - ثم فسر ذلك الأجر العظيم فقال: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} سبحانه وتعالى، وانتصاب أجرًا عظيمًا بنزع الخافض، أو على التمييز، ودرجات بدل منه، بدل كل من كل، {وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} معطوفان على درجات؛ أي: وفضل الله سبحانه وتعالى المجاهدين في سبيل الله تعالى على القاعدين بلا عذر بأجر عظيم، وثواب وافر، بدرجات منه وبمغفرة ورحمة منه تعالى؛ أي: فضلهم عليهم بدرجات ومنازل بعضها فوق بعض، من منازل الكرامة، وبمغفرة للذنوب، وبرحمة لهم بنعيم الجنة. والمراد بهذه الدرجات (١) هي ما ادخره الله تعالى لعباده من المنازل الرفيعة التي يقصر الحصر عن عدها، كما قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)} ودرجات الآخرة مبنية على درجات الدنيا، من قوة الإيمان بالله تعالى، وإيثار رضاه على الراحة والنعيم، وترجيح المصلحة العامة على الشهوات الخاصة، والمغفرة المقرونة بهذه الدرجات هي المغفرة لما يفرط منهم


(١) المراغي.