للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والشقاوة. انتهى.

وقيل: هو نفي معناه النهي؛ أي: لا تبدلوا خلق الله ودينه بالشرك، بيان (١) هذا: أن العقل الإنساني كصحيفة بيضاء، قابلة لنقش ما يراد أن يكتب فيها، كالأرض تقبل كل ما يغرس فيها، فهي تنبت حنظلًا وفاكهةً ودواءً وسمًا، والنفس ترد عليها الديانات والمعارف فتقبلها، والخير أغلب عليها من الشر، كما أن أغلب نبات الأرض يصلح للرعي، والقليل منه سم لا ينتفع به، ولا تغير بالآراء الفاسدة، إلا بمعلم يعلمها ذلك، كالأبوين اليهوديين أو النصرانيين، ولو ترك الطفل وشأنه .. لعرف أن الإله واحد، ولم يسقه عقله إلى غير ذلك، فإن البهيمة لا تجدع إلا بمن يجدعها من الخارج، هكذا صحيفة العقل، لا تغير إلا بمؤثر خارجي يضلها بعد علم.

{ذَلِكَ} الذي أمرتكم به من التوحيد، أو ذلك الدين المأمور بإقامة الوجه له، أو لزوم فطرة الله المستفاد من الإغراء، أو الفطرة إن فسرت بالمملة، والتذكير بتاويل المذكور، أو باعتبار الخير {الدِّينُ الْقَيِّمُ}؛ أي: المستوي الذي لا عوج فيه ولا انحراف، وهو وصف بمعنى المستقيم المستوي.

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ}؛ أي: كفار مكة {لَا يَعْلَمُونَ} استقامته حتى يفعلوه، ويعملوا به، فينحرفون عنه انحرافًا، وذلك لعدم تدبرهم وتفكرهم في البراهين الواضحة الدالة عليه، ولو علموا ذلك حق العلم .. لاتبعوه، وما صدوا الناس عن الاقتباس من نوره، وما سدلوا الحجب التي تحجب عنهم ضياءه.

٣١ - وقوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} تعالى؛ أي: راجعين إليه بالتوبة والإخلاص، ومطيعين له في أوامره ونواهيه: حال من الضمير في الناصب المقدر لـ {فِطْرَتَ اللَّهِ} أو في {أَقِمْ} لعمومه للأمة، وما بينهما اعتراض، وقيل: منصوب على أنه خبر لكان المحذوفة؛ أي: وكونوا منيبين إليه، لدلالة: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ


(١) المراغي.