ينبغي أن يعبد، ويعصون من لا ينبغي أن يعصى، فخوت من مكانها، وتساقطت على عروشها؛ أي: سقطت حيطانها فوق سقوفها، وكم من بئر عطلناها، بإفناء أهلها، وأهلاك وارديها، فلا واردة لها ولا صادرة منها، وكم من قصر شيد بالصخور والجص قد خلا من سكانه، بما أذقنا أهله بسوء أفعالهم، فبادوا وبقيت القصور المشيدة خالية منهم. قال قتادة: شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركه،
٤٦ - ثم أكد لهم صدق وعيده، وأحالهم على ما يشاهدون بكرة وعشيا. فقال:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا} الهمزة فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلة على محذوف. والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي:(١) أغفل أهل مكة فلم يسافروا {فِي الْأَرْضِ} في اليمن والشام ليروا مصارع المهلكين. {فَتَكُونَ لَهُمْ} بسب ما يشاهدونه من مواد الاعتبار. وقرأ مبشر بن عبيد {فيكون} بالياء. والجمهور بالتاء. وهو منصوب على جواب الاستفهام، وهو في التحقيق منفي. {قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} ما يجب أن يعقل من التوحيد. {أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} ما يجب أن يسمع من أخبار الأمم المهلكة ممن يجاورهم من الناس، فإنهم أعرف منهم بحالهم، وهم وإن كانوا قد سافروا فيها ولكنهم حيث لم يسافروا للاعتبار جعلوا غير مسافرين، فحثوا على ذلك فالاستفهام للإنكار.
{فَإِنَّهَا}؛ أي: فإن القصة، فالضمير فيه للقصة. وحسن التأنيث هنا ورجحه كون الضمير وليه فعل بعلامة التأنيث، وهي التاء في {لا تعمى}، ويجوز في الكلام التذكير. وقرأ به عبد الله، {فإنه لا تعمى}، ذكره في "البحر". {لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ}؛ أي: أبصار العيون. {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} أي: ليس الخلل في مشاعرهم، وإنما هو في عقولهم باتباع الهوى، والانهماك في الغفلة؛ أي: لا تدرك عقولهم مواطن الحق، ومواضع الاعتبار. قال الفراء والزجاج: إن قوله: {الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام، كقوله: عشرة كاملة، ويقولون بأفواههم، ويطير بجناحيه. وللتنبيه على