استئناف، فعلى الاستئناف يكون {الْأَوَّلِينَ} الأمم التي تقدمت قريشًا أجمع، ويكون {الْآخِرِينَ} من تأخّر من قريش وغيرهم، وعلى التشريك يكون {الْأَوَّلِينَ} قوم نوح إبراهيم عليهما السلام، ومن كان معهم، و {الْآخِرِينَ} قوم فرعون، ومن تأخر وقرب من بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -. والإهلاك هنا إهلاك العذاب والنكال في الدنيا، ولذلك جاء بعده {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} فأتى بالصفة المقتضية لإهلاك العذاب، وهي الإجرام.
١٨ - {كَذَلِكَ}؛ أي: فعلًا مثل ذلك الفعل الفظيع الذي هو الإهلاك، فصل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف. {نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}؛ أي: بكل من أجرم وأشرك بالله سبحانه إمّا في الدنيا أو في الآخرة. وفيه تحذير من عاقبة الجرم وسوء أثره.
١٩ - {وَيْلٌ}؛ أي: عذاب عظيم {يَوْمَئِذ} أي: يوم إذ أهلكناهم {لِلْمُكَذِّبِينَ} بآيات الله وأنبيائه، وليس فيه تكرير، لما أن الويل الأول لعذاب الآخرة، وهذا لعذاب الدنيا.
ومعنى الآيات: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦)}؛ أي: ألم نهلك من كذّب الرسل قبلكم ونعذّبهم في الدنيا بشتى أنواع العذاب، فتارة بالغرق كما حدث لقوم نوح، وأخرى بالزلزال كما كان لقوم لوط، إلى أشباه ذلك من المثلات التي حلت بالأمم قبلكم جزاء لهم على قبيح أعمالهم وسيء أعمالهم، وان سنتنا في المكذبين لا تبديل فيها ولا تغيير، فاحذروا أن يحل بكم مثل ما حل بهم، وتندموا ولات ساعة مندم. {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧)}؛ أي: ثم نحن نفعل بأمثالهم من الآخرين، ونسلك بهم سبيلهم؛ لأنّهم فعلوا مثل أفعالهم. ثم ذكر الحكمة في إلحاقهم بهم، فقال:{كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}؛ أي: سنتنا في جميع المجرمين واحدة، فكما أهلكنا المتقدمين لإجرامهم وتكذيبهم نفعل بالمتأخّرين الذين حذوا حذوهم، واستنوا سنّتهم، فسنتنا تجري على وتيرة واحدة. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)}؛ أي: هؤلاء وإن عذبوا في الدنيا بأنواع من العذاب فالامة الكبرى معدّة لهم يوم القيامة. والتكرير للتوكيد شائع في كلام العرب، كما تقدم في سورة الرحمن.
وفي "برهان القرآن": كرّرها في هذه السورة عشر مرّات؛ لأن كل واحدة منها ذكرت عقيب آية غير الأولى، فلا يكون تكرارًا مستهجنًا، ولو لم يكرر كان متوعدًا