للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٣ - {كَذَلِكَ}؛ أي: كما حق وثبت أن الحق ليس بعده إلا الضلال، أو كما حق أنهم مصروفون من الحق {حَقَّتْ} وثبتت {كَلِمَتُ رَبِّكَ}؛ أي: وجب حكمه ونفذ قضاؤه {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا}؛ أي: خرجوا من الحق إلى الباطل، وتمردوا في كفرهم عنادًا ومكابرةً، وتلك الكلمة هي قوله جل ثنائه: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ ...} الآية. أو هي جملة قوله: {أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} فتكون هذه الجملة بدلًا من كلمة ربك، بدل كل من كل؛ أي: حقت كلمة ربك التي هي عدم إيمانهم. وعلى المعنى الأول: تكون الجملة تعليلية لما قبلها، بتقدير اللام؛ أي: حقت عليهم كلمة ربك، التي هي دخول جهنم؛ لأنهم لا يؤمنون. والمعنى: كما حقت كلمة ربك بوحدة الربوبية والألوهية، وكون الحق ليس بعده إلا الضلال، حقت كلمة ربك؛ أي: وعيده على الذين خرجوا من حظيرة الحق، وهو توحيد الألوهية والربوبية، وهداية الدين الحق.

{أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}؛ أي: هي أنهم لا يؤمنون بما يدعوهم إليه رسلنا، من التوحيد والهدى مهما تكن الآية بينة، والحجة ظاهرة قوية؛ أي: وجب وثبت قضاء ربك، بأنهم لا يؤمنون لرسوخهم وتمردهم في الإشراك.

وليس المراد (١): أنه يمنعهم من الإيمان بالقهر، بل هم يمتنعون منه باختيارهم، لفقدهم نور البصيرة واستقلال العقل، فلا يتوجهون إلى التمييز بين الحق والباطل والهدى والضلال، لرسوخهم في الكفر واطمئنانهم به بالتقليد، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)}. وقرأ (٢) أبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر: {كلمات ربك} بالجمع هنا، وفي آخر السورة. وقرأ باقي السبعة بالإفراد.

٣٤ - والاستفهام في قوله: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ} للتقرير، كالاستفهامات السابقة والآتية، أي: قل لهم أيها الرسول: هل أحد من شركائكم الذين عبدتموهم مع الله تعالى، أو من دون الله، من الأصنام أو الأرواح الحالة فيها، كما تزعمون،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.