للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذا ذهب من العشق أو غيره، كما في "المختار"؛ أي: يذهبون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين، بل يتحيرون في أودية القيل والقال، والوهم والخيال، والغي والضلال، فتارة يمزقون الأعراض بالهجاء، وتارة يأتون من المجون بكل ما يمجه السمع ويستقبحه العقل، وتارة يخوضون في بحر السفاهة والوقاحة، ويذمون الحق ويمدحون الباطل، ويرغبون في فعل المحرمات، ويدعون الناس إلى فعل المنكرات، كما تسمعه في أشعارهم من مدح الخمر والزنا واللواط ونحو هذه الرذائل الملعونة.

والمعنى: أي (١) ألم تعلم أن الشعراء يسلكون الطرق المختلفة من الكلام، فقد يمدحون الشيء حينًا بعد أن ذموه، أو يعظمونه بعد أن احتقروه، والعكس بالعكس، وذلك دليل على أنهم لا يقصدون إظهار الحق، ولا تحري الصدق، لكن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - جبلته الصدق، ولا يقول إلا الحق، وقد بقي على طريق واحد؛ وهو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والترغيب في الآخرة والإعراض عن الدنيا.

٢٢٦ - وثاني الأمرين: ذكره بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ} في أشعارهم عند التصلف والدعاوى {مَا لَا يَفْعَلُونَ} من الأفاعيل، فهم يرغبون في الجود ويرغبون عنه، وينفرون عن البخل ويصرون عليه، ويقدحون في الناس لأدنى الأسباب، ويرتكبون الفواحش، وذلك تمام الغواية. ومحمد - صلى الله عليه وسلم - على خلاف ذلك؛ لأنه منزه عن كل ذلك، متصف بمحاسن الأوصاف ومكارم الأخلاق، مستقر على المنهاج القويم، مستمر على الصراط المستقيم، فقد بدأ بنفسه إذ قال له ربه: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣)} ثم بالأقرب فالأقرب، فقال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} فليست حاله حال الشعراء.

٢٢٧ - ولما وصف الشعراء بهذه الأوصاف الذميمة استثنى منهم من اتصف بأمور أربعة:

١ - الإيمان.


(١) المراغي.