للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السفينة، فجعل يقرضها، ويقرض حِبَالَها، أَوْحى الله سبحانه وتعالى إليه أن اضرب بين عَيْنَي الأسدِ فضربَ فخَرَج من منخره سنَّور وسِنّوَرة، وهي القطة والقط، فَأَقْبَلا على الفأر، فأَكلاه. ثُمَّ أجاب عليهم نوح بما ذكره بقوله: {قَالَ} نوح مجيبًا لهم عن سخريتهم {إِنْ تَسْخَرُوا} وتستهزؤوا {مِنَّا} اليومَ وتستجهلونا لرؤيتكم ما لا تتصوَّرون له فائدةً {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} اليومَ لجهلكم باللهِ، وشرككم به وغدًا حين ينزلُ بكم العذاب لكفركم {كَمَا تَسْخَرُونَ} مِنَّا جزاءً وفاقًا؛ أي: إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنعُ، فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر، والتعرض لسخط الله، وعذابه،

٣٩ - ثم هدَّدَهم بقوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وتَرَون {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ}؛ أي: أينا يأتيه عذاب في الدنيا يهينه ويذله، وهو عذابُ الغرق، ومَنْ هو أحق بالسخرية، ومَنْ هو أَحْمَدُ عاقبةً {و} تعلمون من {يحل} وينزل {عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ}؛ أي: دائم؛ أي: وسوفَ تعلمون أينا ينزل عليه النار الدائم في الآخرة.

والمعنى (١): فإن كنتم لا تعلمون اليومَ فائدةَ ما نعمل، وما له من عاقبة محمودة، فسوف تعلمون بعد تمامه من يأتيه عذاب يفضحه، ويَجْلِب له العارَ، والخِزيَ في الدنيا، وهو عذاب الغرق، ويحل عليه عذاب دائم في الآخرة بعد ذلك، وكل ما في الدنيا فهو هيِّن ليِّنٌ بالنسبة إلى ما يكون في الآخرة لانقضائه وزواله، وبقاء ذَاكَ ودَوامِهِ.

فإن قُلتَ (٢): السخريةُ لا تَلِيقُ بمنصب النبوة، فكيف قال نوح عليه السلام: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}.

قلتُ: إنما سَمَّى هذا الفعلَ سخريةً على سبيل الازدواج في مشاكلة الكلام، كما في قوله {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} والمعنى: إنا نَرى غِبَّ سخريتكم بِنا إذا نزل بكم العذاب.

والتشبيه في قوله (٣): {كَمَا تَسْخَرُونَ} لمجرد التحقق، والوقوع، أو التجدد


(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.