وبالنصب على الحال، أو على الذم والناصبة: التعبة من النصب: وهو التعب، يقال: نصب - من باب علم -: إذا تعب في العمل.
والمعنى: وجوه يومئذٍ تعمل أعمالًا شاقة تتعب فيها؛ لأنها في الدنيا تكبرت عن العمل لله، فأعملها الله سبحانه في الآخرة في أعمال شاقة، وهي جر السلاسل، وحمل الأغلال الثقيلة، كما قال:{فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا}، والخوض في النار: خوض الإبل في الوحل؛ أي: الطين الرقيق، والصعود في تلال النار، والهبوط في وهاده. وقال بعضهم: خشوع الظاهر ونصب الأبدان لا يقربان إلى الله تعالى، بل يقطعان عنه، وإنما يقرب منه سعادة الأزل، وخشوع السر من هيبة الله، وهو الذي يمنع صاحبه من جميع المخالفات، فالرهبانية والفلاسفة وأضرابهم من أهل الكفر والضلال والبدع والخرافات، إنما يضربون حديدًا باردًا، ويتعبون أنفسهم في طريق الهوى والسعي فيها. وقال ابن عباس والحسن وابن جبير وقتادة: عاملة في النار، ناصبة تعبة فيها؛ لأنها تكبرت عن العمل في الدنيا، وعملها في النار جرها السلاسل ونحوه، كما مر آنفًا. وقال ابن عباس أيضًا وزيد بن أسلم وابن جبير: عاملة في الدنيا ناصبة فيها؛ لأنها على غير هدى، فلا ثمرة لها إلا التعب، وخاتمته النار.
وقرأ الجمهور: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣)} بالرفع فيهما. وقرأ ابن محيصن وعيسى وحميد وابن كثير في رواية عنه: بالنصب فيهما، كما مر بيان توجيهما.
٤ - {تَصْلَى}؛ أي: تدخل تلك الوجوه يومئذٍ {نَارًا} هائلةً {حَامِيَةً}؛ أي: مسعرة بالغة نهاية الحرارة، وتذوق ألمها موقدة من ابتداء خلقها، وفي الحديث:"أحمي عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة". قال السجاوندي: معنى حامية، أي: دائمة الحمي، وإلا فالنار لا تكون إلا حامية يقال: حمي الشمس والنهار حميًا وحميًا وحموًا: اشتد حرهما، والجملة خبر آخر لـ {وُجُوهٌ}.
وقرأ الجمهور:{تَصْلَى} بفتح التاء وسكون الصاد مبنيًا للفاعل، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب وأبو رجاء وابن محيصن: بضمها مبنيًا للمفعول، وقرأ خارجة: بضم التاء وفتح الصاد مشدد اللام، وقد حكاها أبو عمرو بن العلاء،