للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الله إلا على طريق المشاكلة، فمعنى المشاكلة؛ الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى؛ إذ لا يجوز أن يوسف الله تعالى بالمكر إلا لأجل ما ذكر معه من لفظ آخر مسند لمن يليق به، هكذا قيل. وقد جاء إسناد المكر إلى الله تعالى من غير مقابلة في قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٩٩)}. وفي الحديث: "اللهم أمكر لي ولا تمكر عليّ". قال أبو حيان: سأل رجل الجنيد، فقال: كيف رضي الله سبحانه لنفسه المكر، وقد عاب به غيره؛ فقال: لا أدري، ولكن أنشدني فلان الظهراني شعرًا:

وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاكَ الْفِعْلُ عِنْدِيْ ... فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَا

ثم قال: قد أجبتُك إن كنت تعقل. والمذهب الأسلم الذي عليه سلف الأمة إثبات المكر لله سبحانه وتعالى، فإذًا فالمكر صفة ثابتة لله تعالى نؤمن بها ونعتقدها ونثبتها من غير تمثيل ولا تعطيل، وهذا هو الذي نلقى الله عليه.

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ملك بني إسرائيل اسمه: يهوذا، لما قصد قتل عيسى عليه السلام .. أمره جبريل أن يدخل بيتًا فيه روزنة - والروزنة: فرجة في سقف البيت - فرفعه جبريل من تلك الروزنة إلى السماء، فقال الملك لرجل خبيث منهم يقال له تطيانوس: أدخل عليه فاقتله، فدخل البيت فلم يرَ عيسى، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه السلام عليه، فخرج يخبرهم أنه ليس في البيت، فقتلوه وصلبوه، ثم قالوا: وجهه يشبه وجه عيسى، وبدنه يشبه بدن صاحبنا، فإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فوقع بينهم قتال عظيم.

٥٥ - وقوله: {إذ قالَ اَللهُ} ظرف لمكر الله؛ أي: مكر الله سبحانه وتعالى بهم حين قال لنبيه ورسوله عيسى عليه السلام: {يَعِيسى} ابن مريم {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}؛ أي: مستوفي أجلك المسمى، ومؤخرك إلى تمامه، وعاصمك من أن يقتلك الكفار، أو (١) قابضك من الأرض من توفيت مالي، أو متوفيك نائمًا؛ إذ رُوي أنه


(١) البيضاوي.