الإِسلام نفاقًا، وقد كانوا يتوقعون ظهور المشركين واليهود على المؤمنين، فلما أعيتهم الحيل .. صاروا ينتظرون موت النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ظنًّا منهم، أن الإِسلام يموت بموته. ثم دعا سبحانه وتعالى عليهم بقوله:{علَيْهِمْ}؛ أي: على أولئك الأعراب، الذين يتربصون بكم الدوائر، لا على غيرهم، {دَائِرَةُ السَّوْءِ}؛ أي: دائرةُ البلاء والحُزن والمصيبة والعذاب، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: عليهم الدائرةُ السيئة، والمصيبة الشديدة، والعاقبة القبيحة؛ والمعنى: أنّ عليهم وحدهم الدائرة السوء، تحيط بهم دون المؤمنين الذين يتربصونها بهم، وليس للمؤمنين عاقبة، إلَّا ما يسرهم من نصر الله، وتوفيقه لهم، وما يسوء أعداءهم، من خذلان وخيبة وتعذيب لهم في الدنيا قبل الآخرة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (١): {السَّوْءِ} هنا وفي سورة الفتح ثانية بالضم. وباقي السبعة بالفتح. فالفتح مصدر قال الفراء: سوأته سوأً ومساءة وسوائية. والضمُّ الاسم وهو الشر والعذاب. والفتح ذم الدائرة. وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته، وُصِفَتْ الدائرة بالمصدر، كما قالوا: رجل سوء، في نقيض رجل صدق. وقال المبرد:{السوء} بالفتح الرداءة، ولا يجوز ضم السين في رجل سوء، قاله أكثرهم، وقد حُكيَ بالضم.
{وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى: {سَمِيعٌ} لما يقولونه، مما يعبر عن شعورهم، واعتقادهم في نفقاتهم؛ إذ تحدثوا بذلك فيما بينهم، {عَلِيمٌ} بما يضمرونه في سرائرهم، وسيحاسبهم على ما يسمع ويعلم، من قول وفعل، ويجزيهم به.
٩٩ - وبعد أن بين سبحانه القسم الأول من الأعراب، وهم المنافقون .. ذكر القسم الثاني منهما: وهم المؤمنون الصادقون. {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} في السر والعلانية؛ أي: ومن الأعراب من يؤمن بالله، ويثبت له القدرة، وكمال التصرف في الكون، ويؤمن بمجيء اليوم الآخر، الذي تجازى فيه كل نفس بما كسبت. قال مجاهد: هم بنو مقرن بن مزينة، وهم الذين قال فيهم: