للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضاق عنه صدرك، والضيق بالكسر: ما يكون في الذي يتسع مثل الدار والثوب، وكذا قال الأخفش، وهو من الكلام المقلوب؛ لأن الضيق وصف للإنسان يكون فيه، ولا يكون الإنسان فيه، وكأنه أراد وصف الضيق بالعظم حتى صار كالشيء المحيط بالإنسان من جميع جوانبه.

١٢٨ - ثم ختم هذه السورة بآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات فقال: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}؛ أي: اجتنبوا الكفر والمعاصي على اختلاف أنواعها؛ أي: معهم بالولاية والتوفيق والفضل والحفظ {و} مع {الذين هم محسنون} بتأدية الطاعات والقيام بما أمروا بها منها، وقيل المعنى: إنَّ الله مع الذين اتقوا الزيادة في العقوبة، والذين هم محسنون في أصل الانتقام.

وفي الحديث: "إن للمحسن ثلاث علامات: يبادر في طاعة الله، ويجتنب محارم الله، ويحسن إلى من أساء إليه".

والمعنى: أي (١) إن الله مع الذين اتقوا محارمه فاجتنبوها خوفًا من عقابه، والذين يحسنون رعاية فرائضه والقيام بحقوقه ولزوم طاعته فيما أمرهم به وفي ترك ما نهاهم عنه.

ونحو الآية قوله تعالى لموسى وهارون: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للصّديق وهما في الغار فيما حكى الله عنه: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.

وقصارى ذلك: أنَّ الله تعالى ولي الذين تبتلوا إليه، وأبعدوا الشواغل عن أنفسهم، فلم يحزنوا لفوت مطلوب، ولم يفرحوا لنيل محبوب، والذين هم محسنون أعمالهم برعاية فرائضه، وأداء حقوقه على النحو اللائق بجلاله وكماله، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه .. فإنه يراك".

والمعنى (٢): إن أردت أيها الإنسان أن أكون معك بالعون والفضل


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.