للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أن هؤلاء الجاحدين يحشرهم الله تعالى مع شياطينهم الذين أغووهم وأضلوهم، وهذا ظاهر على جعل اللام في الإنسان للعهد، وهو الإنسان الكافر، وأما على جعلها للجنس فلكونه قد وُجد في الجنس من يحشر مع شيطانه {لَنُحْضِرَنَّهُمْ} بعد الوقوف الطويل في المحشر {حَوْلَ جَهَنَّمَ} من خارجها حال كونهم {جِثِيًّا}؛ أي: جالسين (١) على الركب إهانةً لهم، أو لما يعرضهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم، جمع جاث، من جثا يجثو ويجثى جثوًا وجثيًا فيهما، جلس على ركبتيه، كما في "القاموس" وعن ابن عباس رضي الله عنهما {جِثِيًّا}؛ أي: جماعات جماعاتٍ، جمع جثوة وهي الجماعة أو المجموع، من الشراب أو الحجارة

٦٩ - {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ}؛ أي: لنأخذن {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ}؛ أي: من كل فرقةٍ وجماعة منهم {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ}؛ أي: من هو أشد على الرحمن الذي غمرهم إحسانه {عِتِيًّا}؛ أي: تكبراً وجراءةً على المعاصي ومجاوزة للحدود التى سنها لخلقه، والشيعة: الفرقة تبعت ديناً من الأديان، وخصص ذلك الزمخشري فقال: هي الطائفة التي شايعت؛ أي: تبعت غاويًا من الغواة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} ومعنى {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}؛ أي: ثم لنخرجن من كل أمة من كان أعصى لله وأعتى، فإنه ينزع من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم وأعتاهم، فإذا اجتمعوا طرحهم في جهنم، والعتي هاهنا مصدر كالعتو، وهو: التمرد في العصيان، وقيل: المعنى: لننزعن من كل أهل دين قادتهم ورؤساءَهم في الشر، وقصارى (٢) ذلك أن الله تعالى يحضرهم أولًا حول جهنم، ثم يميز بعضهم عن بعض، فمن كان أشدهم تمردًا في كفره .. خص بعذاب أعظم، فعذاب الضال المضل فوق عذاب من يضل بالتبع لغيره.

وقرأ حمزة والكسائي وحفص (٣): {جِثِيًّا} و {عِتِيًّا} و {صِلِيًّا} بكسر الجيم والعين والصاد، والجمهور: بضمها وقرأ الجمهور {أَيُّهُمْ} بالرفع، وهي حركة


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.