للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأهل مكة قراءة ابن عباس وابن يعمر وأبي العالية ونصر بن يسار وأبي حيوة والأصمعي عن أبي عمرو: بكسر القاف مشددة على صيغة الأمر لأهل مكة؛ أي: فسيحوا في البلاد وابحثوا، وقرأ ابن عباس والحسن وأبو العالية وأبو عمرو في رواية: {نقبوا}: بفتح القاف مخفّفة، وقرىء: بكسر القاف خفيفة؛ أي: نقت أقدامهم وأخفاف إبلهم، من نقب خف البعير: إذا انتقب ودمي، ويحتمل أن يكون {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} على إضمار القول؛ أي: يقولون: هل من محيص من الهلاك، كما مرّ آنفًا، واحتمل أن لا يكون ثم قول؛ أي: لا محيص من الموت، فيكون توقيفًا وتقريرًا واستئنافًا، اهـ من "البحر المحيط".

٣٧ - {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي (١): إنَّ فيما ذكر من قصتهم، أو فيما ذكر في هذه السورة، من أولها إلى آخرها من العبر والأخبار، وإهلاك القرى. {لَذِكْرَى}؛ أي: لتذكرة وعظة {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}؛ أي: قلب سليم يدرك به كنه ما يشاهده من الأمور، ويتفكر فيها كما ينبغي، فإنَّ من كان له ذلك يعلم أن مدار دمارهم هو الكفر، فيرتدع عنه بمجرد مشاهدة الآثار من غير تذكير.

قال الراغب: قلب الإنسان سمي به لكثرة تقلبه، ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به، من الروح والعلم والشجاعة وسائر ذلك، وقوله: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}؛ أي: علم وفهم. انتهى، وفسَّره ابن عباس رضي الله عنهما بالعقل، وذلك لأنَّ العقل قوة من قوى القلب، وخادم من خدامه، فمن له أدنى عقل فله ذكرى، وقال أبو الليث: لمن كان له قلب؛ أي: عقل، فكني به عنه. انتهى. قال الفرّاء: وهذا جائز في العربية، تقول: مالك قلب، وما قلبك معك؛ أي: مالك عقل، وما عقلك معك، وقيل (٢): المعنى: لمن كان له حياة، ونفس مميزة، فعبّر عن ذلك بالقلب؛ لأنّه وطنها ومعدن حياتها، ومنه قول امرىء القيس:

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِيْ ... وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِيْ القَّلْبَ يَفْعَلِ


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.