للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من تلك النصرة في الدنيا فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا}؛ أي: وعزتي وجلالي فقد أعطينا بمحض فضلنا {مُوسَى} بن عمران {الْهُدَى}؛ أي: ما يهتدي به من الضلالة إلى الحق من المعجزات والصحف والشرائع والتوراة {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}؛ أي: وأبقينا في بني إسرائيل من بعد موت موسى من الهدى المذكور {الْكِتَابَ}؛ أي: التوراة فإن معجزاته انقرضت بموته.

والإيراث (١): ميراث الدين, والمراد بالكتاب: التوراة، ولما كان الإيراث الحقيقي إنما يتعلق بالمال .. تعذّر حمله على معناه هنا، فأريد به الترك مجازًا، إشعارًا بأن ميراث الأنبياء ليس إلا العلم والكتاب في باب الدين.

والمعنى: وتركنا عليهم من بعد موسى التوراة، إذ سائر ما اهتدى به في أمر الدين قد ارتفع بموت موسى عليه السلام, وبقيت فيهم التوراة، وتوارثوها خلفًا عن سلف، وقرنًا بعد قرن، وقيل: المراد بالكتاب سائر الكتب المنزلة على أنبياء بني إسرائيل بعد موت موسى من الزبور والإنجيل.

٥٤ - وقوله: {هُدًى وَذِكْرَى}: منصوبان على أنه مفعولان لأجله؛ أي: أورثناهم الكتاب لأجل هدايتهم من الضلالة إلى الحق, ولأجل البيان لهم أحكام شريعتهم وعظةً وتذكرةً {لِأُولِي الْأَلْبَابِ}؛ أي: لأصحاب العقول السليمة، العاملين بما في تضاعيف ذلك الكتاب دون الذين لا يعقلون, أو حالان من {الْكِتَابَ} على أنهما مصدران بمعنى اسم الفاعل؛ أي: أبقينا فيهم الكتاب حال كونه هاديًا لهم من الضلالة والجهالة، وحال كونه مذكرًا وواعظًا لأصحاب العقول الكاملة منهم.

والفرق بين الهدى والذكر (٢): أن الهدى ما يكون دليلًا على شيء آخر، وليس من شرطه أن يذكر شيئًا آخر كان معلومًا ثم صار منسيًا، وأما الذكرى فليس من ذلك، وكتب الأنبياء مشتملة على هذين القسمين, فإن بعضها دلائل في أنفسها، وبعضها مذكرات لما ورد في الكتب الإلهية المتقدمة.

والمعنى (٣): أي ولقد أعطينا موسى من المعجزات والشرائع ما يهتدي به


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.