فإن التكبر إنما حصل بسبب ما في قلبه من الكفر والجهل، وعدم النظر في الدلائل، {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ}؛ أي: كافيه جهنم جزاء وعذابًا، وجهنم: اسم من أسماء النار التي يعذب بها الكفار في الآخرة، وقيل: هي اسم أعجمي، وقيل: بل هي عربي، سميت النار بذلك لبعد قعرها، {وَلَبِئْسَ} وقبح {الْمِهَادُ}؛ أي: الفراش جهنم، والمهاد: التوطئة أيضًا، والمعنى: أن العذاب بالنار يجعل تحته وفوقه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن من أكبر الذنوب عند الله أن يقال للعبد: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك.
وروي أنه قيل لعمر: اتق الله، فوضع خده على الأرض تواضعًا لله.
ونزل في صهيب بن سنان الرومي حين أسلم وتعرض له المشركون وأرادوا قتله، فاشترى نفسه منهم بماله وأتى المدينة، أو فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن
٢٠٧ - المنكر حتى يقتل، قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي}؛ أي: يشتري {نَفْسَهُ} من الكفار بماله {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه}؛ أي: لأجل طلب رضا الله سبحانه وتعالى بالهجرة إلى الله ورسوله، وهو صهيب بن سنان، لما آذاه المشركون هاجر إلى المدينة، وترك لهم ماله، فعلى هذا: فالشراء على معناه الأصلي.
وقيل معناه: ومن الناس من يبيع ويبذل نفسه في طاعة الله من صلاة وصيام وجهاد، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، فكان ما يبذله من نفسه كالسلعة، فصار كالبائع، والله تعالى هو المشتري، والثمن هو رضا الله تعالى وثوابه المذكور في قوله:{ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه}. {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}؛ أي: محسن إليهم ومكرم لهم بالنعم الجسام، حيث أرشدهم لما فيه رضاه، ومن (١) رأفته أنه جعل النعيم الدائم جزاء على العمل القليل المنقطع، ومن رأفته أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأن المصر على الكفر ولو مئة سنة إذا تاب ولو لحظة ... أسقط عنه