للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

زيادة في شيء منها على ما ينبغي، ولا نقص، لأنّا وفقناهم فكشفنا عن أبصارهم حجاب الغفلة التي ألزمناها أولئك المتقدمين، والمعنى (١): ويكون ممن خلقنا جماعة كبيرة مؤلفة من شعوب وقبائل كثيرة يهدون الناس بالحق، ويدلونهم على الاستقامة، وبالحق يحكمون في الحكومات التي تجري بينهم، ولا يجورون في حكمهم، فسبيلهم واحدة؛ لأن الحق واحد لا يتعدد، وهؤلاء هم أمة محمد صلى الله عليه وسلّم.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن ابن جريج في قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون»، وأخرج عبد الله بن حميد وابن المنذر عن قتادة فيها قال: بلغنا أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قرأها: «وهذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها» {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)}.

وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة، يقول تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١)} فهذه هي التي تنجو من هذه الأمة.

وروى الشيخان عن معاوية قال - وهو يخطب -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» وفي الآية دليل على أنه لا يخلو زمان من قائم بالحق يعمل به، ويهدي إليه.

١٨٢ - ثم لما بين حال هذه الأمة الصالحة .. بين حال من يخالفهم فقال: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} القرآنية والكونية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلّم، وهم جميع أنواع الكفرة من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ}؛ أي: سنأخذهم قليلا قليلا {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}؛ أي: من حيث لا يحتسبون الهلاك والأخذ ولا يظنونه، وقيل معناه (٢): سنقربهم إلى ما يهلكهم، ويضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون


(١) المراغي.
(٢) الخازن.