الله سبحانه وتعالى، فإن الصبر والعفو مندوب إليه، وقد ينعكس الأمر في بعض الأحوال، ويكون ترك العفو مندوبًا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي، وقطع مادة الأذى.
وحكي: أن رجلًا سب رجلًا في مجلس الحسن، رحمه الله تعالى، فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق، ثم قام، فتلا هذه الآية، فقال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون.
وقوله:{إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} فإن قلت: قاله هنا بلام التأكيد، وقاله في {لُقْمَانَ} بدونها، فما الفرق بين الموضعين.
قلت: لأن الصبر على مكروه حدث بظلم، كقتل ولد أشد من الصبر على مكروه حدث بلا ظلم، كموت ولد، كما أن العزم على الأول أوكد منه على الثاني، وما هنا من القبيل الأول، فكان أنسب لتوكيد وما في {لُقْمَانَ} من القبيل الثاني، فكان أنسب بعدمه اهـ "كرخي".
والمعنى: أي ولمن صبر عن الانتصار بغير انتقام ولا شكوى، وستر السيئة، فقد فعل ما يشكر عليه ويستحق به الأجر وجزيل الثواب، ورُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر رضي الله عنه:"يا أبا بكر، ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة، فيفضي عنها إلا أعزه الله تعالى بها ونصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة، إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة، يريد بها كثرة إلا زاده الله عَزَّ وَجَلَّ بها قلة".
٤٤ - {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: يخلق فيه الضلالة من الهوى، أو بتركه على ما كان عليه من ظلم الناس {فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ} يلي أمره، وناصر ينصره {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من بعد خذلانه تعالى إياه. وظاهر الآية: العموم، وقيل: هي خاصة بمن أعرض عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعمل بما دعاه إليه، من الإيمان بالله والعمل بما شرعه، والأول أولى.
والمعنى: أي أنه ما شاء الله كان، ولا راد له، وما لم يشأ لم يكن، فمن