والزروع، وبها تنبت البساتين والجنات، وتصير الأرض القفر مروجًا، وعليها يعتمدون في معاشهم، فآثارها واضحة أمامهم، ولا عجيب أن تكون لها المنزلة العظمى في نفوسهم.
وأفعال الرياح تخالف ناموس الجاذبيَّة، فإنَّ ما على الأرض منجذب إليها، واقع عليها، ولكن هذه الرياح تتصرف تصرفًا عجيبًا تابعًا لسير الكواكب، فبجريها وجري الشمس تؤثر في أرضنا وهوائها بنظام محكم، فما ذرت الرياح التراب، ولا حملت السحاب، ولا قسمت المطر على البلاد إلا بحركات فلكيّة منتظمة، من أجل هذا جعل ذلك براهين على البعث والإعادة.
٧ - ثم ابتدأ سبحانه قسمًا آخر، فقال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧)}؛ أي: وأقسمت لكم يا أهل مكة بالسماء ذات الطرائق (١) المحسوسة، التي هي مساير الكواكب، أو المعقولة التي يسلها النظّار، ويتوصّل بها إلى المعارف، كما قال الراغب: الحبك بضمتين، جمع حباك كمثال ومثل، أو جمع حبيكة كطريقة وطرق، وهي الطرائق، فمن الناس من تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة، وهي الخطوط فيها كالطرق في الرمل، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيها من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ذات الحُسن والجمال والاستواء والطرق، والظاهر: أنَّ السماء هي المعروفة، وقيل: السحاب.
٨ - {إِنَّكُمْ} يا أهل مكة {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} في القرآن؛ أي: متخالف متناقض، وهو قولهم: إنه شعر وسحر وافتراء وأساطير الأولين، وفي الرسول: شاعر وساحر ومفتر ومجنون، وفي القيامة فإن من الناس من يقطع القول بإقرار، ومنهم من يقول: إن نظنّ إلا ظنًّا، وهذا من التحيّر والجهل الغليظ فيكم، وفي هذا الجواب تأييد لكون الحبك عبارة عن الاستواء، كما يلوح به ما نقل عن الضحاك: إنّ قول الكفرة لا يكون مستويًا، إنما هو مناقض مختلف، ووجه