عقاب تلك السنين، وأعطاه الثواب الدائم، ومن رأفته أن النفس والمال له، ثم إنه يشتري ملكه بملكه فضلًا منه ورحمة وإحسانًا، ومن رأفته مضاعفة الحسنات، وعدم مضاعفة السيئات.
٢٠٨ - ونزل في عبد الله بن سلام وأضرابه حين عظموا السبت، وكرهوا الإبل بعد الإِسلام قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: صدقوا بما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ} بفتح السين وكسرها الإِسلام؛ أي: تلبسوا بالإِسلام {كَافَّةً}؛ أي: جميعًا، واعملوا بجميع أحكامه واتركوا ما كنتم عليه من شريعة موسى المخالفة لملة الإِسلام؛ لأنها صارت منسوخة، والسلم (١) هنا قرأها بالفتح نافع، والكسائي، وابن كثير، والباقون بكسرها، والتي في (الأنفال) لم يقرأها بالكسر إلا أبو بكر وحده عن عاصم، والتي في القتال، فلم يقرأها بالكسر إلا حمزة، وأبو بكر أيضًا، وقرأ الأعمش السَلَم بفتح السين واللام.
{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}؛ أي: ولا تتبعوا طرق تزيين الشيطان ووسوسته بتفريق الأحكام بالعمل ببعضها الموافق لشريعة موسى، وعدم العمل بالبعض الآخر المخالف لها كعدم تعظيم السبت، وعدم كراهة الإبل؛ يعني: لا تتبعوا طرق الشيطان التي يزينها بوسوسته لكم، وقيل المعنى: ولا تلتفتوا إلى الشبهات التي يلقيها إليكم أصحاب الضلالة والغواية والأهواء المضلة؛ لأن من اتبع سنة إنسان .. فقد تبع أثره {إِنَّهُ}؛ أي: إن الشيطان {لَكُمْ} يا بني آدم {عَدُوٌّ مُبِينٌ}؛ أي: بيّن العداوة وظاهرها بالنسبة لمن أنار الله قلبه، وأما غيره:
٢٠٩ - فهو حليف له {فَإِنْ زَلَلْتُمْ} وملتم عن الدخول في كافته وجميعه، وانحرفتم عن الطريق الذي أمرتم به، وقرىء شذوذًا {زللتم} بكسر اللام {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ} وظهرت لكم {الْبَيِّنَاتُ}؛ أي: الدلالات الواضحات من البراهين القطعية، والدلائل النقلية كالمعجزة الدالة على الصدق، وكالبيان الحاصل بالقرآن والسنة.