عشرة خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة، كما في المواهب. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ} بإجابة الرسول إلى الخروج للغزو ثانيًا على ما هم عليه من جراح، وآلام أصابتهم يوم أحد {وَاتَّقَوْا} مخالفة الرسول، وعاقبة تقصيرهم، وأتوا بالعمل على أكمل وجوهه {أَجْرٌ عَظِيمٌ}، وثواب جزيل، وهو الجنة على ما أتوا به من جليل الأعمال، وصالح الأفعال.
وفي قوله:{مِنْهُمْ} إشارة إلى أن من دعوا لبوا، واستجابوا له ظاهرًا، وباطنًا، ولكن عرض لبعضهم موانع في أنفسهم أو أهليهم فلم يخرجوا، وخرج الباقون.
روي أن أبا سفيان وأصحابه لمَّا رجعوا من أحد، فبلغوا الروحاء موضع بين مكة والمدينة، ندموا، وهموا بالرجوع حتى يستأصلوا، من بقي من المؤمنين، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأراد أن يرهبهم، ويريهم من نفسه وأصحابه قوةً، فندب أصحابه للخروج في إثر أبي سفيان، وقال:"لا يَخْرَجُنَّ معنا يومنا إلا من حضر بالأمس"، فخرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مع جماعة من أصحابه يوم الأحد اليوم التالي، يوم أُحد حتى بلغوا حمراء الأسد - موضعٌ على ثمانية أميال من المدينة، على يسار الطريق لمن أراد ذا الحليفة - وكان بأصحابه الجراح والآلام، فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين، فذهبوا إلى مكة مسرعين، وأقام بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة يوم الجمعة، وقد غاب عنها خمسًا، فنزلت هذه الآية وتسمي هذه الغزوة غزوة حمراء الأسد، وهي متصلة بغزوة أحد.
١٧٣ - وقوله:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} منصوب بفعل محذوف تقدير: أمدح المؤمنين الذين قال لهم الناس: أي؛ قال لهؤلاء المؤمنين نعيم ابن مسعود الأشجعي، ومن وافقه، وهم أربعة؛ أي: قالوا للمؤمنين تثبيطًا لهم {إِنَّ النَّاسَ}؛ أي: إن أبا سفيان، وكفار قريش {قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}؛ أي: لقتالكم واستئصالكم، أيها المؤمنون في مجنة، وهي سوق بقرب مكة جموعًا كثيرةً، وأعوانًا عديدةً {فَاخْشَوْهُمْ}، أي: فخافوا أيها المؤمنون هؤلاء المجموع، واحذروهم ولا تخرجوا