للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مكان حريز، فإن الله تعالى خلق جوهر الإنسان أولًا طينًا، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة، في صلب الأب، فقذفه الصلب بالجماع إلى رحم الأم، فصار الرحم مستقرًا حصينًا لهذه النطفة

١٤ - {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً}؛ أي: ثم حولنا النطفة من صفتها الثانية، إلى صفة العلقة، وهي الدم الجامد بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء.

والمعنى (١): أي ثم صيرنا المني الأبيض دمًا جامدًا أربعين يومًا، قيل: كلها تجعل علقة، وقيل: جزء منها، والباقي يوضع نصفه في موضع تربته، والنصف الثاني يوضع في السماء، فإذا أراد الله إحياء الخلق من القبور، أمطرت السماء، فتلاقي النطف النازلة من السماء، النطف الباقية في الأرض، فتوجد الخلائق بينهما، وهذا هو حكمة قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}.

{فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً}؛ أي: ثم صيرنا ذلك الدم الجامد الأحمر، مضغة؛ أي: لحمًا صغيرًا بمقدار ما يمضغ أربعين يومًا، لا استبانة ولا تمايز فيها {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ}؛ أي: غالبها ومعظمها أو كلها {عِظَامًا}؛ أي: فصيرنا اللحم الصغير عظامًا بلا لحم، بعد ثلاث أربعينات بأن صلبناها وجعلناها عمودًا للبدن على هيئات مخصوصة من رأس ورجلين، وما بينهما، وأوضاع مخصوصة تقتضيها الحكمة، أو ميزنا بين أجزائها، فما كان منها: من العناصر الداخلة في تكوين العظام، جعلناه عظامًا، وما كان من مواد اللحم، جعلناه لحمًا، والمواد الغذائية شاملة لذلك، ومنبتة في الدم، ومن ثم قال: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ} المعهودة {لَحْمًا} من بقية المضغة، وشددناها بالأعصاب، والعروق، فاللحم يستر العظام، كالكسوة؛ أي: كسونا كل عظم من تلك العظام، ما يليق به من اللحم على مقدار لائق به، وهيئات مناسبة له؛ أي: فجعلنا اللحم كسوة لها، من قبل أن يستر العظام، فأشبه الكسوة الساترة للجسم، وجمع العظام لاختلافها.

واختلاف العواطف بالفاء (٢)، و (ثم) لتفاوت الاستحالات، يعني: أن بعضها مستبعد حصوله، مما قبله، وهو المعطوف بـ {ثُمَّ}، فجعل الاستبعاد


(١) المراح.
(٢) الفتوحات.