للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ينعق به؛ أي: المنعوق به، وعلى هذا التقدير فلا حذف.

والفرق بين الدعاء والنداء (١): أن الدعاء للقريب، والنداء للبعيد، والفرق بين الكافر والضال: أن الكافر يرى الحق، ويعرض عنه، ويصرف نفسه عن دلائله؛ فهو كالبهائم يرضى بأن يقوده غيره، ويصرفه كيف يشاء. والضالّ يخطيء الطريق مع طلبه، أو جهله بمعرفته بنفسه، أو بدلالة غيره.

وحاصل المعنى: أن مثل الكافرين في تقليدهم لآبائهم ورؤسائهم، وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلال، وعدم تألمهم فيما يُلقى إليهم من الأدلة مثل البهائم التي ينعق عليها الراعي، ويسوقها إلى المرعى، ويدعوها إلى الماء، ويزجرها عن الحمى، فتستجيب دعوته، وتنزجر بزجره، وهي لا تعقل مما يقول شيئًا ولا تفهم له معنى، وإنما تسمع أصواتًا تقبل لسماع بعضها، وتدبر لسماع بعض آخر بالتعود، ولا تعقل سببًا للإقبال والإدبار.

فهم {صُمٌّ} عن سماع الحق سماع قبول وانتفاع به. {بُكْمٌ} عن النطق به. {عُمْيٌ} عن رؤيته؛ أي: يتصامون عن الحق، ويتباكمون عنه، ويتعامون عنه. {فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}؛ أي: لا يفقهون أمر الله، ودعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما لا تعقل الإبل والغنم كلام الراعي، قيل: المراد به العقل الكسبي؛ لأن العقل الطبيعي كان حاصلًا فيهم، ثم بيّن أن ما حرّمه المشركون حلال. فقال:

١٧٢ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}؛ أي كلوا من حلالات ما أعطيناكم من الحرث والأنعام. قيل (٢): إن الأمر في {كُلُوا} يكون للوجوب كالأكل لحفظ النفس، ودفع الضرر عنها، وقد يكون للندب كالأكل مع الضيف، وقد يكون للإباحة إذا خلا من هذه العوارض.

وهذا الذي (٣) ذكره هنا تأكيدٌ للأمر السابق في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا


(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) شوكاني.