وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام على حصير، فقام وقد أثر في جسده، فقال ابن مسعود: يا رسول الله لو أمرتنا أن لنبسط لك لنفعل، فقال:"ما لي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظلّ تحت شجرة ثمّ راح وتركها" وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ...} الآية. قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة، وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ الحياة الدنيا متاع، وليس من متاعها شيء أفضل من المرأة الصالحة، التي إذا نظرت إليها .. سرّتك، وإذا غبت عنها .. حفظتك في نفسها ومالها". وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"يا بنيّ أكثر ذكر الموت، فإنك إذا أكثرت ذكر الموت .. زهدت في الدنيا، ورغبت في الآخرة، وإنّ الآخرة دار قرار، والدنيا غرّارة، والمغرور من اغْترّ بها".
والمعنى (١): أي يا قوم ما هذا النعيم الذي عجِّل لكم في هذه الحياة الدنيا إلا قليل المدى، تستمتعون به إلى أجل أنتم بالغوه ثم تموتون، وإن الآخرة هي دار الاستقرار التي لا زوال لها, ولا انتقال منها, ولا ظعن عنها إلى غيرها، وفيها إما نعيم مقيمْ وإما عذاب أليم.
٤٠ - ثم بيّن كيف تحصل المجازاة في الآخرة، وأشار إلى أنّ جانب الرحمة فيها غالب على جانب العقاب، فقال:{مَنْ عَمِلَ} في هذه الدار الدنيا {سَيِّئَةً}؛ أي: معصيةً من المعاصي كائنةً ما كانت {فَلَا يُجْزَى} في الآخرة {إِلَّا مِثْلَهَا} ولا يعذب إلا بقدرها، عدلًا من الله سبحانه، فخلود الكافرين في النار مثل لكفره ولو ساعةً لأَبديّة اعتقاده، وأما المؤمن العاصي فعقابه منقطع، إذ ليس على عزم أن يبقى مصرًّا على المعصية.
والظاهر: شمول الآية لكل ما يطلق عليه اسم السيئة، وقيل: هي خاصة بالشرك، ولا وجه لذلك، وفي الآية دليل على أنّ الجنايات سواء كانت في النفوس