وقد (١) بيّنت السنة المتواترة من أقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - تفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم، ممّا تلقوه عنه خلفًا عن سلف، قرنًا بعد قرن، وقد تقدّم في سورة البقرة، أنّ المراد بإقامة الصلاة: أداؤها على الوجه الذي سنه الدين، والنهج الذي شرطه من توجيه القلب إلى مناجاة الرب، والخشية منه في السر والعلن، مع اشتمالها على الشرائط والأركان التي أوضحها الأئمة، المجتهدون، والصلاة لب العبادة، لما فيها من مناجاة الخالق، والإعراض عن كلّ ما سواه، ودعائه وحده، وهذا هو مخّ كلّ عبادة، وفي الحديث «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».
{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ}؛ أي: إنّ صلاة الصبح {كَانَ مَشْهُودًا} يشهده ويحضره ملائكة الليل، وملائكة النهار، ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء، فهو في آخر ديوان الليل، وأوّل ديوان النهار.
وقد يكون المراد كما قال الرازي: أنّ الإنسان يشهد فيه آثار القدرة، وبدائع الحكمة في السموات والأرض، فهناك الظلام الحالك الذي يزيله النور الساطع، وهناك يقظه النوم بعد الخمود، والغيبوبة عن الحس إلى نحو ذلك من مظاهر القدرة، في الملك، والملكوت، فكلّ العالم يقول بلسان حاله أو مقاله:(سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الملائكة والروح).
٧٩ - {وَمِنَ اللَّيْلِ}؛ أي: وبعض ساعات الليل {فَتَهَجَّدْ بِهِ}؛ أي: بالقرآن؛ أي: فاسهر بتلاوته في قيام الليل، وأزل به الهجود، والنوم، أو المعنى {وَمِنَ اللَّيْلِ}؛ أي: وبعض ساعات الليل {فَتَهَجَّدْ بِهِ}؛ أي: فصل بالقرآن حالة كون تلك الصلاة {نافِلَةً}؛ أي: فريضة زائدة على الصلوات الخمس خاصة. {لَكَ} دون أمتك يعني فريضة زائدة على سائر الفرائض التي فرضها الله عليك، كما روي عن عائشة - رضي الله عنها - «ثلاث هن عليّ فريضة، وهن سنة لكم: الوتر، والسواك، وقيام الليل». وقيل: إنّ الوجوب صار منسوخًا في حقه كما في