يتذكر جميع ما سبق له في السنين الطوال ولا يستحضره حتى يجعل الآخر موافقًا للأول، مع أن بعض الآيات كان ينزل في أيام المحن والكروب، وبعضها عند تنازع الأقوام حين الخصام، إلى أن كرَّ الغداة ومرّ العشي لا يزيده إلا جدة، ولا يزيد أحكامه إلا ثباتًا ورسوخًا، وكلما اتسعت دائرة العلوم والمعارف، ونمت أحوال العمران .. زاد إيمان الناس به، إذ تتوثق روابط الصلة بين الدين والعلم، وتتظاهر أحكامه مع نواميس الاجتماع وشؤون الكون.
٨٣ - {وَإِذَا جَاءَهُمْ}؛ أي: وإذا جاء ضعفة المؤمنين الذين لا خبرة لهم بالشؤون العامة، وقيل: الضمير يعود إلى المنافقين {أَمْرٌ} من أمور المسلمين، وشأن من شؤونهم، سواء كان ذلك الأمر {مِنَ الْأَمْنِ} والبشارة والخير، كفتح وغنيمة {أو} كان {مِّنَ الْخَوْفِ} والحزن والشر، كقتل وهزيمة .. {أَذَاعُوا بِهِ}؛ أي: أفشى هؤلاء الضعفة أو المنافقون ذلك الأمر والخبر، وأشاعوه بين الناس، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث البعوث والسرايا، فإذا غَلبوا أو غُلبوا .. بادر هؤلاء الضعفة أو المنافقون يستخبرون عن حالهم، ثم يشيعونه، ويتحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيضعفون به قلوب المؤمنين، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ويستفاد من الآية: أنه لا ينبغي للعامة الذين لا خبرة لهم بالشؤون العامة أن تشيع أخبار الحرب وأسرارها، ولا أن تخوض في السياسة العامة للدولة؛ لأن ذلك مضرة لها، ومفسدة لشؤونها ومرافقها العامة، وعلاقاتها مع غيرها من الأمم، بالإضافة إلى أن في ذلك مشغلة لهم عن شؤونهم الخاصة، وضياع زمن كانوا فيه أحوج إلى العمل بما يفيدهم ويفيد الأمة، وهذا بيان لجناية ضعفاء الإيمان إثر بيان جناية المنافقين.
ثم بين ما ينبغي أن يفعل في مثل هذه الحال، فقال:{وَلَوْ رَدُّوهُ}؛ أي: ولو رد هؤلاء المذيعون من ضعفة الإيمان أو المنافقين هذا الخبر الذي تحدثوا به من الأمن أو الخوف، وفوضوا الكلام في الأمور العامة {إِلَى الرَّسُولِ} محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو الإِمام الأعظم، والقالد العام في الحرب {وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ}؛ أي: وإلى