للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعاقبني إن بسطت يدي إليك لأقتلك؛ أي: إنِّي أخاف الله، وأخشى أن يراني باسطًا يدي إلى الإجرام وسفك الدماء بغير حق، وهو رب العالمين الذي يغذيهم بنعمه، ويربيهم بفضله، وإحسانه، فالاعتداء على أرواحهم أكبر مفسدة لهذه التربية، ولا شك أن هذا الجواب يتضمن أبلغ الموعظة والاستعطاف لأخيه العازم على الجناية، وليس في الكلام ما يدل على عدم الدفاع ألبتة؛ ولكن فيه التصريح بعدم الإقدام على القتل، وقد روى الشيخان وأحمد وغيرهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه .. فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه".

٢٩ - ثم قفى على عظته البالغة، ونصائحه النافعة، بالتذكير بعذاب الآخرة من قبل أنَّ الوعظ لا يؤثر في كل نفس فقال: {إِنِّي أُرِيدُ} وأقصد بالابتعاد من مقابلة الجريمة بمثلها. وقرىء: {أني أريد} كما هو صح - بفتح الهمزة - بمعنى كيف أريد. {أَنْ تَبُوءَ} وترجع يا قابيل {بِإِثْمِي}؛ أي: بإثم قتلك إياي {وَإِثْمِكَ} الذي كان مثل قبل قتلي؛ أي: وإثمك الخاص بك، الذي كان من أثاره عدم قبول قربانك. وروي هذا عن ابن عباس. وقيل: (١) إن المراد أنَّ القاتل يحمل في الآخرة إثم من قتله، إنْ كان له آثام؛ لأن الذنوب والآثام التي فيها حقوق العباد لا يغفر الله منها شيئًا حتى يأخذ لكل ذي حق حقه، فيعطي المظلوم من حسنات الظالم ما يساوي حقه إنْ كانت له حسنات توازي ذلك، أو يحمل الظالم من آثام المظلوم وأوزاره ما يوازي ذلك إنْ كان له آثام وأوزار، وما نقص من هذا أو ذاك، يستعاض عنه بما يوازيه من الجزاء في الجنة أو النار.

{فَتَكُونَ}؛ أي: فتصير سبب ما حملت من الإثمين {مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} وأهلها في الآخرة جزاء ظلمك {وَذَلِكَ}؛ أي: عذاب النار {جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}؛ أي: عقاب من تعدى، وعصى أمر الله بقتل أخيه، وبسائر المعاصي. وقيل:


(١) المراغي.