للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قراءات من قرأ بالنون، فجملتها أربعة. وقد قرأ آخرون بالباء الموحدة، فقرأ ابن عباس والسلمي وابن أبي عبلة: {الرِّياحَ} - جمعا -: {بُشُرا} - بضم الباء والشين -. ورويت عن عاصم وهو جمع بشيرة كنذيرة ونذر. وقرأ عاصم كذلك إلا أنه سكن الشين تخفيفا من الضم. وقرأ السلمي: {بَشْرا} - بفتح الباء وسكون الشين - وهو مصدر بشر المخفف، ورويت عن عاصم. وقرأ ابن السميقع وابن قطيب: {بشرى} بألف مقصورة كرجعى، وهو مصدر. فهذه ثماني قراءات؛ أربعة في النون، وأربع في الباء. والمعنى على كلها: أنه سبحانه وتعالى يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات.

٥٨ - وبعد أن ضرب الله إحياء البلاد بالمطر مثلا لبعث الموتى .. ضرب اختلاف نتاج البلاد مثلا لما في البشر من اختلاف الاستعداد لكل من الهدى والكفر، والرشاد والغي، فقال: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ}؛ أي: والأرض الطيبة التربة السهلة السمحة {يَخْرُجُ نَباتُهُ} ووافيا حسنا كثيرا غزير النفع {بِإِذْنِ رَبِّهِ}؛ أي: بمشيئة الله تعالى وتيسيره بلا كد ولا عناء، كذلك المؤمن المخلص يؤدي ما أمر الله به بطيبة النفس {وَالَّذِي خَبُثَ}؛ أي: والبلد الذي خبث أرضه السبخة ترابه {لا يَخْرُجُ} نباته {إِلَّا نَكِدًا}؛ أي: إلا بتعب وعناء وكلفة، والمعنى: إلا حالة كونه قليلا عديم النفع. قال الشاعر في المعنى يذم إنسانا:

لا تنجز الوعد إن وعدت وإن ... أعطيت أعطيت تافها نكدا

يعني بالتافه: القليل، وبالنكد: العسير، ومعناه: إنك إن أعطيت أعطيت القليل بعسر ومشقة وكلفة، وكذلك المنافق لا يؤدي ما أمر الله به إلا كرها بغير طيبة النفس. قال (١) المفسرون: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فشبه المؤمن بالأرض الخيرة الطيبة التراب، وشبه نزول القرآن على قلب المؤمن بنزول المطر على الأرض الطيبة، فإذا نزل المطر أخرجت أنواع الأزهار والثمار، وكذلك المؤمن إذا سمع القرآن آمن به، وانتفع به، وظهرت منه الطاعات


(١) الخازن.