زرعوه، ونما واستوى على سوقه، فرأوه قد اصفر بعد خضرته ونضرته .. لظلوا من بعد ذلك الاستبشار والرجاء يجحدون نعم الله السابقة عليهم، ولا يخفى ما في ذلك من المبالغة في احتقارهم، لتزلزلهم في عقيدتهم، إذ كان الواجب عليهم أن يتوكلوا على الله في كل حال، ويلجؤوا إليه بالاستغفار إذا احتبس عنهم المطر، ولا ييئسوا من روح الله، ويبادروا إلى الشكر والطاعة إذا أصابهم - جلّ وعلا - برحمته، ويصبروا على بلائه إذا اعترى زرعهم آفة، ولا يكفروا بنعمائه، لكنهم قد عكسوا الأمر، وأبوا ما يجديهم، وأتوا بما يؤذيهم.
٥٢ - ثم شبههم بالموتى وبالصم فقال:{فَإِنَّكَ} يا محمد {لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} الدعاء إذا دعوتهم، فكذا هؤلاء لا يسمعون دعاءَك إلى الحق، لعدم فهمهم للحقائق، ومعرفتهم للصواب.
وهذه الجملة تعليل (١) لمحذوف، تقديره؛ أي: لا تجزع يا محمد ولا تحزن على عدم إيمانهم، فإنهم موتى صم عمي، ومن كان كذلك لا يهتدي. اهـ. "شيخنا ".
فالكفار في التشبيه كالموتى، لانسداد مشاعرهم عن الحق، وهم الذين علم الله قبل خلقهم أنهم لا يؤمنون به ولا برسله، وفي الآية دليل على أنّ الأحياء قد يسمون أمواتًا إذا لم يكن لهم منفعة الحياة، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أجسادهم مفقودة، وآثارهم بين الورى موجودة.
واعلم: أن الكفر موت القلب، كما أن العصيان مرضه، فمن مات قلبه بالكفر .. بطل سمعه بالكلية، فلا ينفعه النصح أصلًا، ومن مرض قلبه بالعصيان، فيسمع سمعًا ضعيفًا كالمريض .. فيحتاج إلى المعالجة في إزالته، حتى يعود سمعه إلى الحالة الأولى.
ثم أشار إلى تشبيه آخر بقوله:{وَلَا تُسْمِعُ} يا محمد {الصُّمَّ} جمع أصم