للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي ولولا ما سبق من قضاء الله وحكمه فيهم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة .. فعجل الفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، بإهلاك المكذبين، كما فعل بمكذبي الأمم السالفة.

ثم بين ما يقتضي إهلاكهم فقال: {وَإِنَّهُمْ}؛ أي: وإن كفار قومك {لـ} كائنون {فِي شَكٍّ} وريب {مِنْهُ}؛ أي: من حقية هذا القرآن {مُرِيبٍ}؛ أي: موجب ذلك الشك للإضطراب فيه موقع في الإنكار به، والشك: عبارة عن تساوي الطرفين في التردد فيهما من غير ترجيح، والوهم: ملاحظة الطرف المرجوح، وكلاهما تصور لا حكم معه؛ أي: لا تصديق معه أصلًا، وقيل: إن المراد بالكناية: اليهود؛ أي: وإنهم في شك من التوراة مريب، والأول أولى.

أي: وإن قومك يا محمد لفي شك من أمر القرآن موجب لقلقهم واضطرابهم، فما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم حين قالوا ما قالوا، بل كانوا شاكين غير محققين لشيء مما كانوا فيه من عنادك ومقاومة دعوتك.

٤٦ - ثم بين أن الجزاء من جنس العمل، وأنه لا يظلم ربك أحدًا، فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا}؛ أي: عمل عملًا صالحًا؛ أي: عملًا موجبًا لصلاح صاحبه، بأن آمن بالكتب وعمل بموجبها {فَلِنَفْسِهِ}؛ أي: ضعطه أو فنفعه لنفسه لا لغيره {وَمَنْ أَسَاءَ}؛ أي: ومن عمل عملًا فيه إساءة أدب الله ورسوله، بأن كذب كتب الله ورسله، وعمل بخلاف ما أمر به ونهى عنه {فَعَلَيْهَا}؛ أي: فعلى نفسه ضرر إساءته وعقابها، لا على غيرها، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

والمعنى: أي من عمل بطاعة الله في هذه الحياة الدنيا، فائتمر بأمر، انتهى عما نهى عنه .. فلنفسه جزاء عمله وثوابه؛ لأنه يجازى عليه الجزاء الذي هو له أهل، فينجو من النار ويدخل جنة النعيم، ومن عصى الله سبحانه .. فعلى نفسه جنى؛ لأنه أكسبها سخطه وأليم عذابه، وقد قالوا في أمثالهم: إنك لا تجنى من الشوك العنب.

{وَمَا رَبُّكَ} أيها الرسول {بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}؛ أي: بحامل عقوبة ذنب على غير


(١) المراغي.