للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خوفاً، مفعول به {مُوسَى} فاعل أوجس؛ أي: أضمر موسى في قلبه بعض خوف من أن لا يظفر بهم، فيقتلون من آمن به - عليه السلام -.

والمعنى (١): أضمر موسى في نفسه بعض خوف من مفاجأته، بمقتضى البشرية المجبولة على النفرة من الحيات، والاحتراز عن ضررها المعتاد من اللسع ونحوه، كما دل عليه قوله: {فِي نَفْسِهِ} لأنه من خطرات النفس، لا من القلب، وفي الحقيقة: أن الله تعالى ألبس السحر لباس القهر، فخاف موسى من قهر الله، لا من غيره؛ لأنه لا يأمن من مكر الله إلا القوم الفاسقون. وقيل (٢): خاف أن يُفتن الناس قبل أن يُلقي عصاه، وقيل: إن سبب خوفه هو أن سحرهم كان من جنس ما أراهم في العصا، فخاف أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا،

٦٨ - فأذهب الله سبحانه ما حصل معه من الخوف بما بشره به بقوله: {قُلْنَا} لموسى {لَا تَخَفْ} ما توهمت {إِنَّكَ}؛ أي: لأنك {أَنْتَ الْأَعْلَى}؛ أي (٣): الغالب القاهر لهم، ونحن معك في جميع أحوالك، فإنك القائم بالمسبب، وهم القائمون المعتمدون على الأسباب، وأيضًا معك آياتنا الكبرى وهو لباس حفظنا، وجملة {إن} تعليل للنهي عن الخوف، وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن خوف البشرية مركوز في جبلة الإنسان ولو كان نبيًا إلى أن ينزع الله الخوف منه انتزاعًا ربانيًا، بقولٍ صمداني كما قال تعالى: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) أي: أعلى درجةً من أن تخاف من المخلوقات دون الخالق.

٦٩ - {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ}؛ أي: عصاك على الأرض، والإبهام، لتفخيم شأنها، والإيذان بأنها ليست من جنس العصي المعهودة؛ لأنها مستتبعة لآثار غريبةٍ.

والمعنى (٤): لا يخيفنك كثرة حبالهم وعصيهم، فإن في يمينك شيئًا أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها, ولم يأت التركيب: وألق عصاك بما في لفظ اليمين من البركة {تَلْقَفْ}؛ أي: تلتقم وتبتلع {مَا صَنَعُوا}؛


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) الخازن.