ذلك، وبه يصح الابتلاء، فإن الفاضل يشتغل بالشكر، والمفضول بالصبر، ويعرت قدر النعمة عند الترقي من الصبر إلى الشكر، وكل ذلك دليل على كمال القدرة، ونهاية الحكمة. اهـ.
والمعنى الأول أقرب، فالله تبارك وتعالى يذكرنا بهذه القدرة العظيمة، وبهذه النعمة الجليلة، وهو أنه خلقنا أزواجًا لنتعاون على أمور الحياة، وليقوم الرجل بوظيفته من العمل والكسب والرعاية والحماية، ولتقوم المرأة بوظيفتها من التربية والتهذيب وشؤون المنزل وأمور الزوج والأطفال، ولتعاون الرجل في هذه الأمور التي خلقت لأجلها، ولولا التعاون بين الرجل والمرأة .. لاختل نظام الحياة، وعاش كل واحد منهما في شقاء وعناء، فسبحان الله الذي خلقنا أزواجًا، وجعل بيننا مودة ورحمة، وجعل كلًّا منا سكنًا لصاحبه، فله الحمد، وله الشكر، وله الثناء الحسن على ما أنعم وتكرم.
٤ - ٩ {وَجَعَلْنَا} أي: صيَّرنا {نَوْمَكُمْ} وهو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعدة إليه، ولذا قل في أهل الرياضة لقلة الرطوبة {سُبَاتًا}؛ أي: موتًا لأن النوم أحد الموتتين، ولكنه لم تفارقه الروح، أو كالموت، والمسبوت: الميت، من السبت، وهو: القطع؛ لأنه مقطوع عن الحركة، ومنه سمي يوم السبت؛ لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد، فخلقها في ستة أيام، فقطع عمله يوم السبت، فسمي بذلك، وقيل: معنى {سُبَاتًا}؛ أي: راحةً لأبدانكم، قال الزجاج: السبات أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه؛ أي: جعلنا نومكم راحةً لكم، وقال ابن الأنباري: جعلنا نومكم قطعًا لأعمالكم؛ لأن أصل السبت: القطع، وهو - أي النوم - من نعم الله الكبرى على الناس، فإن النوم بعض ساعات في اليوم يريح القوة من تعبها، وينشطها من غسلها، ويعيد إلى الجسم ما فقد منه من نشاط، ولو لم يكن النوم موتًا، واليقظة بعثًا .. لم يتم هذا التجديد لقوى الإنسان، بل يفقد الإنسان الطاقة على العمل، فالمرء قد يصبر على فقد الطعام والشراب أيامًا، ولكنه لا يطيق الصبر على السهر، والسهر يفني الجسم ويبليه، فالله سبحانه جعل نومنا في الليل قطعًا للحركة، وايقافًا للعمل، لتحصيل الراحة في فترة النوم من كثرة الترداد، والسعي في سحابة النهار، وإذا استرحنا في النوم .. فقد تجددت عزائمنا، ونشطت جوارحنا، وقويت أجسامنا، ونستأنف أعمالنا ونحن أقوى ما نكون، والنوم سلطان