للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والرشاد هو حبّهم، وحسن اتباعهم، وهو الاتصال المعنوي لا الاختلاط الصوري، وإلا لنجت امرأة نوح ولوط. وقد قال تعالى في حقهما: {ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.

ومعنى الآيتين (١): أي وبعد أن ذهبت رسلنا إلى قوم لوط، ووقعت بينهم وبينهم محاورات .. أخرجوا من كان في القرى من المؤمنين تخليصًا لهم من العذاب، ولم يجدوا فيها سوى بيت واحد أسلم وجهه لله ظاهرًا وباطنًا، وانقاد لأوامره، واجتنب نواهيه.

وهو بيت لوط بن هاران أخ إبراهيم عليه السلام. {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً ...} إلخ، أي: وجعلناها عبرة بما أنزلنا بها من العذاب والنكال، وحجارة السجيل، وخسف الأرض بهم حتى صارت قريتهم بحيرة منتنة خبيثة. وهي بحيرة طبرية لتكون ذكرى لمن يخشى الله، ويخاف عذابه.

وفي الآية: إيماء إلى أنّ الكفر متى غلب، والفسق إذا انتشر، لا تنفع معه عبادة المؤمنين، أمّا إذا كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة، وفيهم شرذمة يسيرة يسرقون ويفجرون .. فإن الله لا يأخذ الكثرة الصالحة بذنب العدد القليل من الفاجرين.

٣٨ - وقوله: {وَفِي مُوسَى} معطوف (٢) على قوله: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً} على معنى وجعلنا في إرسال موسى إلى فرعون، وإنجائه مما لحق فرعون وقومه من الغرق آية. كقوله: "علفتها تبنًا وماءً باردًا: أي: وسقيها ماءً باردًا، وإلا فقوله {فِي مُوسَى} لا يصح كونه معمولًا لـ {تركنا}. إذ لا يستقيم أن يقال: تركنا في موسى آيةً، كما يصح أن يقال: تركنا في تلك القرية آيةً. لأنّ الترك ينبىء عن الإبقاء، فإذا لم يبق موسى كيف يبقى ما جعل فيه؟ وقيل: معطوف على قوله: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)}. فقصة إبراهيم ولوط عليهما السلام معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تكذيبهم، ووعدًا له بإهلاك أعدائه الأفاكين. كما أهلك قوم لوط. وقيل: غير ذلك. والأول أولى.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.