للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقوله: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)} يعني الوقت الذي يموت فيه جميع الخلائق، وهو وقت النفخة الأولى، فتموت فيها، ثم تبعث مع الناس، فمدة موته أربعون سنة، وهي ما بين النفختين، ولم تكن إجابة الله له في الإمهال إكرامًا له، بل زيادة في شقاوته وعذابه اهـ "خازن".

٣٩ - {قَالَ} إبليس {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} {الباء} للقسم و {ما} مصدرية، وجواب القسم قوله: {لَأُزَيِّنَنَّ}؛ أي: أقسم بإغوائك إياي لأزينن {لَهُمْ}؛ أي: لذرية آدم، المعاصي والشهوات واللذات، فالمفعول محذوف {فِي الْأَرْضِ}؛ أي: في الدنيا التي هي دار الغرور، كما في قوله: {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} لأن الأرض محل متاعها ودارها، وفي "التِبْيان": أُزين لهم المقام في الأرض، كي يطمئنوا إليها، وإقسامه بعزة الله المفسرة بسلطانه كما في قوله: {فَبِعِزَّتِكَ} لا ينافي إقسامه بهذا الإغواء، فإنه فرع من فروعها، وأثر من آثارها، فلعله أقسم بهما جميعًا، فحكى تارة قسمه بصفة فعله وهو الإغواء، وأخرى بصفة ذاته وهي العزة، والتزيين منه إما بتحسين المعاصي لهم وإيقاعهم فيها، أو بشغلهم بزينة الدنيا عن فعل ما أمرهم الله به، فلا يلتفتون إلى غيرها {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ}؛ أي: ولأحملنهم {أًجْمَعِينَ} على الغواية والضلالة

٤٠ - {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ}؛ أي: من ذرية آدم؛ أي: إلا عبادك {المُخْلَصِينَ} منهم، الذين أخلصتهم لطاعتك، وطهرتهم من شوائب الشرك الجلي والخفي، فلا يعمل فيهم كيدي، فإنهم أهل التوحيد الحقيقي، على بصيرة من أمرهم ويقظة، وكفاك في شرف الصدق أن اللعين ما رضي لنفسه الكذب حتى استثنى المخلصين.

والمعنى (١): أي قال إبليس: رب بسب إغوائك إياي وإضلالي لأزينن لذرية آدم، وأحببن إليهم المعاصي، وأرغبهم فيها، ولأغوينهم كما أغويتني وقدرت علي ذلك، إلا من أخلص منهم لطاعتك، ووفقته لهدايتك، فإن ذلك مما لا سلطان لي عليه ولا طاقة لي به.

وقرأ الكوفيون ونافع والحسن والأعرج (٢): {المخلَصين} بفتح اللام، ومعناه: أي اللذين أخلصهم الله تعالى للطاعة، بالتوفيق والعصمة، وعصمهم من


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.