خلالها المسك الإذفر، وغرس فيها من جيد الفاكهة، وجيد الريحان {خَالِدُونَ}؛ أي: ماكثون مكثًا مؤبدًا لا يخرجون منها، ولا يموتون، والخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي هي عليها، من غير اعتراض الكون، والفساد عليها، فإن قيل: كيف حكم على الموصوفين، بالصفات السبعة، بالفلاح مع أنه لم يتمم ذكر العبادات الواجبة، كالصوم والحج؟
فالجواب: أن قوله: {لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} يأتي على جميع الواجبات من الأفعال، والتروك، والطهارات دخلت في جملة المحافظة على الصلوات، لكونها من شرائطها، والحصر إضافي لا حقيقي؛ لأنه ثبت أن الجنة يدخلها الأطفال والمجانين والولدان والحور، ويدخلها الفساق من أهل القبلة بعد العفو، لقوله تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} اهـ "كرخي".
وقصارى ما سلف: أن فلاح المؤمن، موقوف على اتصافه بتلك الصفات السامية العالية القدر العظيمة الأثر في حياته الروحية، وكمالاته النفسية، اللهم اجعلنا من الذين يرثون الفردوس، ويتنعمون بنعيمها، ويصلون إلى نسيمها، واحفظنا عن الأسباب المؤدية إلى النار وجسيمها.
١٢ - ولما حثّ سبحانه عباده على العبادة، ووعدهم الفردوس، عاد إلى تقرير المبدأ والمعاد، ليتمكن ذلك في نفوس المكلفين، فقال:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} ذكر الله سبحانه وتعالى: في هذه الآيات من هنا إلى قوله: {وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} أربعة أنواع من دلائل قدرته تعالى:
الأول: تقلب الإنسان في أطوار خلقته، وهي تسعة، آخرها قوله:{تُبْعَثُونَ}.
الثاني: خلق السماوات.
الثالث: إنزال الماء.
الرابع: منافع الحيوانات وذكر منها أربعة أنواع. اهـ. رازي، واللام فيه: موطئة لقسم محذوف؛ أي: وعزتي وجلالي لقد خلقنا أصل هذا النوع الإنساني، وأول أفراده وهو آدم عليه السلام {مِنْ سُلَالَةٍ} كائنة {مِنْ طِينٍ}؛ أي: من صفوة طين.