قوله تعالى:{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ...} الآيات الثلاث، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين أن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم .. أتبعه بذكر هذه الآيات للدلالة على أن قوم يونس آمنوا بعد كفرهم، وانتفعوا بذلك الإيمان. وهذه الآيات الثلاث تكملة لما قبلها، وبيان لسنن الله تعالى في الأمم مع رسلهم، وفي خلق البشر مستعدين للإيمان والكفر والخير والشر، وفي تعلق مشيئة الله وحكمته بأفعاله، وأفعال عباده ووقوعها وفقهما.
قوله تعالى:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين أن سننه في نوع الإنسان، أن خلقه مستعدًّا للإيمان والكفر، الخير والشر، ولم يشأ أن يجعله على طريقة واحدة، إما الكفر وحده وإما الإيمان وحده، وأنك أيها الرسول لا تقدر على جعله على غير ذلك .. بين هنا أن مدار سعادته على استعمال عقله، في التمييز بين الخير والشر، وما على الرسول إلا التبشير والإنذار، وبيان الطريق المستقيم الذي يوصل إلى السعادة، وما الدين إلا مساعد للعقل على حسن الاختيار، إذا أحسن النظر والتفكر اللذين أمر الله تعالى بهما. فليحذر أولئك القوم أن يحل بهم مثل ما حل بمن قبلهم من المكذبين فإن سنتنا لا تغيير فيها ولا تبديل فننجي رسلنا والذين آمنوا معهم، ونهلك من كذبهم وندخله سواء الجحيم.
وقال أبو حيان: قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما تقدم قوله {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ...} وكان ذلك مشعرًا بما حل بالأمم الماضية المكذبة ومصرحًا بهلاكهم في غير ما آية .. أخبر تعالى عن حكاية حالهم الماضية، فقال: ثم ننجي رسلنا، والمعنى: أن الذين خلوا أهلكناهم لما كذبوا الرسل، ثم نجينا الرسل والمؤمنين.
التفسير وأوجه القراءة
٨٨ - {وَقَالَ مُوسَى} بعد أن أعد قومه بني إسرائيل للخروج من مصر على قدر ما يستطيع من الإعداد الديني والدنيوي، وغرس في قلوبهم الإيمان وحب العزة