للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الثبات والصبر فلا بأس بما فعل، ومما يدل على أن ذلك الهم لم يصل إلى حد العصيان قوله تعالى:

{وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}؛ أي: ولي الطائفتين أي متولي أمورهما، وعاصمهما عن اتباع تلك الخطوة، وحافظهما عنه لصدق إيمانهما, ولذلك صرف الفشل عنهما، وثبتهما فلم يجيبا داعي الضعف الذي ألم بهما عند رجوع المنافقين، وكانوا نحو ثلث العسكر، بل تذكروا ولاية الله للمؤمنين، فوثقا به، وتوكلا عليه.

وقرأ (١) عبد الله {والله وليهم} أعاد الضمير على المعنى، لا على لفظ التثنية كقوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} و {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} {وَعَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى لا على غيره {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أي: فليعتمدوا عليه وليثقوا به في أمورهم؛ أي: إن المؤمنين ينبغي لهم أن يدفعوا ما يعرض لهم من جزع أو مكروه، بالتوكل على الله لا بحولهم وقوتهم، ولا بأنصارهم وأعوانهم، بعد أخذ الأهبة والعدة تحقيقًا لسنن الله في خلقه إذ جعل الأسباب مفضية إلى المسببات، وهو الخالق للسبب والمسبب، والموجد للصلة بينهما، فبقدرته تعالى ينصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة، كما نصر المؤمنين يوم بدر على قلة منهم في العدد والعُدد والسلاح، وفي سائر عتاد الجيش، ولذا قال سبحانه وتعالى:

١٢٣ - {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى أيها المؤمنون {بِبَدْرٍ}؛ أي: في وقعة يوم بدر - موضعٌ بين مكة والمدينة معروف - الذي انبنى فيه الإِسلام وظهر، وقتل فيه صناديد قريش، وكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان لثمانية عشر شهرًا من الهجرة {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}؛ أي: والحال أنكم ذليلون ضعفاء بقلة العدد، والعدد، والسلاح، وقلة المال، وضعف الحال، وعدم القدرة على مقاومة العدو، فإن المؤمنين كانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، وما كان فيهم إلا فرس واحد، والكفار كانوا قريبين من ألف مقاتل، ومعهم مئة فرس مع الأسلحة الكثيرة، والعدة الكاملة، أي: نصركم يوم بدر مع قلتكم وكثرة العدو، ولتعلموا أن النصر من عند الله لا بكثرة العدد والعدد. وأتى بجمع القلة في قوله: {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} ليدل على أنهم قليلون في ذواتهم، وعددهم.


(١) البحر المحيط.