شيئًا. عجز الطالب وهو الآلهة أن تستنقذ من المطلوب، وهو الذباب ما سلبها إياه من الطيب وما أشبهه.
وقصارى هذا: أنه سبحانه، وصف هذه الآلهة بما وصف للدلالة على مهانتها وضعفها، تقريعاً منه لعبدتها من مشركي قريش؛ وكأنه قيل لهم كيف تجعلون لي مثلًا في العبادة، وتشركون معي فيها، ما لا قدرة له على خلق ذباب، وإن أخذ منه الذباب شيئًا، لم يقدر أن ينتصر منه، وأنا الخالق لما في السموات والأرض، المالك لجميع ذلك، المحيي لما أردت، والمميت له، إن فاعل ذلك بالغ غاية الجهل وعظيم السفه. ثم زاد هذا الإنكار توكيدًا، فقال:{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}؛ أي: ما عظموه حق التعظيم، الذي هو إفراده بالعبادة، إذ عبدوا معه غيره، من هذه الأصنام، التي لا تقاوم الذباب لضعفها، ولا تنتصر منه إن سلبها شيئًا.
{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}؛ أي: إنه تعالى قوي لا يتعذر عليه شيء، وبقدرته خلق كل شيء. عزيز لا يغالب لعظمته وسلطانه، ولا يقدر شيء أن يسلبه من ملكه شيئًا وليس كآلهتكم التي تدعونها من دون الله تعالى.
٧٥ - وبعد أن ذكر ما يتعلق بالإلهيات، ذكر ما يتعلق بالنبوات فقال:{اللَّهُ} سبحانه وتعالى {يَصْطَفِي} ويختار {مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي، كجبريل وميكائيل، وإسرافيل. فإن قلت: إن قوله من الملائكة، يقتضي أن تكون الرسل بعض الملائكة لا كلهم فيناقض قوله تعالى:{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} قلت: يدفع هذا التناقض، بأن المراد بما هنا من كان رسولًا من الملائكة إلى بني آدم، وهم أكابر الملائكة كجبريل، وعزرائيل والحفظة. وبأن المراد من قوله:{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}؛ أي: بعضهم رسلًا إلى البعض. اهـ "جمل".
{و} يصطفي {مِنَ النَّاسِ} رسلًا يدعون عباده إلى ما لا يرضيه، ويبلغونهم