للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في صورة أي صورة؛ أي: كامل صورة وأحسنها، وأي تقتضي التعجيب والتعظيم، فلم يجعلك في صورة خنزير أو حمار، وعلى هذا تكون {مَا} منصوبة بـ {شَاءَ} كأنه قال: أي تركيب حسن شاء ركبك، والتركيب: التأليف وجمع شيء إلى شيء، وأدغم خارجة عن نافع: {ركبك كلا}.

والمعنى (١): أي ركبك في صورة هي من أبهى الصورة وأجملها، وأدلها على بقائك الأبدي في نشأة أخرى بعد هذه النشأة، فإن الكريم يوفي كل مرتبة من الوجود حقها، فمن خص بهذا المنزلة الرفيعة .. لا ينبغي أن يعيش كما يعيش سائر الحيوان، ويموت كما يموت الوحش وصغار الذر، وإنما الذي يليق بعقله وقوة نفسه أن تكون له حياة أبدية لا حد لها. ولا فَتَأَ بعدها، يوفى فيها كل ذي حق خقه، وكل عامل جزاء عمله.

٩ - {كَلَّا}: حرف ردع (٢) وزجر، فالوقف عليها؛ أي: ارتدعوا وانزجروا عن الاغترار بكرم الله وجعله ذريعة إلى الكفر والمعاصي مع كونه موجبًا للشكر والطاعة، وقيل: توكيد لتحقيق ما بعده بمضى حقًا، فالوقف على {رَكَّبَكَ} كما رجحه السجاوندي، حيث وضع علامة الوقف المطلق على {رَكَّبَكَ}، قال ابن الأنباري: الوقف الجيد {بِالدِّينِ}، وعلى {رَكَّبَكَ} وعلى {كَلَّا} قبيح.

{بَلْ تُكَذِّبُونَ} إضراب وعطف على جملة ينساق إليها الكلام، كأنه قيل بعد الردع بطريق الاعتراض: وأنتم لا ترتدعون عن ذلك، بل تجاوزونه وتجترئون على ما هو أعظم؛ حيث تكذبون بالدين؛ أي: بالبعث والجزاء رأسًا، فإنه يراد بالدين الجزاء والمكافأة، ومنه: الديان في صفة الله، أو تكذبون بدين الإِسلام الذي هما من جملة أحكامه، فلا تصدقون سؤالًا ولا جوابًا، ولا ثوابًا ولا عقابًا، و {بَلْ} لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره، وإنكار البعث قد كان معلومًا عندهم، وإن لم يجر له ذكر، قال الفراء: كلا ليس الأمر كما غررت به.

وقرأ الجمهور: {بَلْ تُكَذِّبُونَ} بالتاء خطابًا للكفار. وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة وأبو جعفر وأبو بشر بياء الغيبة.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.