للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأطلق اسم اللازم، وأريد الملزوم على سبيل الكناية، وهذا التركيب لم تعرفه العرب إلا بعد نزول القرآن الكريم.

وقرأ ابن أبي عبلة (١): {أسقط في أيديهم} رباعيا مبنيا للمفعول، وقرأ ابن السميقع {سقط في أيديهم} مبنيا للفاعل، وفاعله مضمر؛ أي: الندم، هذا قول الزجاج، وقال الزمخشري: سقط العض، وقال ابن عطية: سقط الخسران والخيبة. وكل هذه أمثلة، ذكره في «الفتوحات».

وقرأ الأخوان - حمزة والكسائي - والشعبي وابن وثاب، والجحدري وابن مصرف، والأعمش وأيوب: بالخطاب في {ترحمنا وتغفر لنا} ونصب {ربنا} على النداء حكاية لدعائهم، وفاعل الفعلين مستتر؛ أي: لئن لم تغفر أنت يا ربنا. وقرأ باقي السبعة ومجاهد والحسن والأعرج، وأبو جعفر وشيبة بن نصاح وغيرهم: {يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا} بالياء فيهما، ورفع {رَبُّنا} على الفاعلية حكاية لأخبارهم فيما بينهم؛ أي: قال بعضهم لبعض: لئن يرحمنا ربنا ويغفر لنا، وفي مصحف أبي: {قالوا ربنا لئن ترحمنا وتغفر لنا} بتقديم المنادى، وهو {ربنا} وفي قولهم: {رَبُّنا} استعطاف حسن إذ الرب هو المالك الناظر في أمر عبيده، والمصلح منهم ما فسد.

١٥٠ - {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى} عليه السلام من مناجاته لربه في جبل الطور {إِلى قَوْمِهِ} بني إسرائيل حالة كونه {غَضْبانَ} على أخيه هارون، إذ رأى أنّه لم يكن فيهم صلب الرأي، قوي الشكيمة، نافذ الكلمة {أَسِفًا}؛ أي: حزينا لما فعله قومه من عبادة غير الله تعالى، وكان قد أخبره الله تعالى بذلك قبل رجوعه كما سيأتي في سورة طه: {قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥)} فقوله: {غَضْبانَ أَسِفًا} حالان من موسى، وذكر جواب لما بقوله {قالَ} موسى لهم {بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي}؛ أي: بئس وقبح خلافة خلفتمونيها {مِنْ بَعْدِي}؛ أي: من بعد ذهابي عنكم إلى مناجاة ربي، وقد كنت لقنتكم التوحيد، وكففتكم عن الشرك، وبينت


(١) البحر المحيط والفتوحات.