والنبل وكرم الخلال، مما لم يتهيَّأ لأحد من أترابه ولداته.
وإذا استبان بالدليل أنَّه ليس بالمجنون في كل ما يقول ويدّعي .. اتضح أنه صادق، كما قال سبحانه:{إِن}؛ أي: ما {هُوَ}؛ أي: صاحبكم {إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ}؛ أي: مخوّف لكم بلسان ينطق بالحق، {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}؛ أي: قدام عذاب الآخرة، إن عصيتموه؛ لأنه مبعوث في نسم الساعة؛ أي: أوّلها وقربها، وذلك لأنّ النسم النفس، ومن قرب منك يصل إليك نفسه، وقيل: المعنى: أي (١): ما محمد إلا رسول مخوف لكم بعذاب حاضر يمسكم عن قريب قبل عذاب شديد في الآخرة إن لم تؤمنوا به؛ أي: ما هذا الوصول بالكاذب، بل هو نذير لكم بعقاب الله حين تقدمون عليه لكفركم به وعصيانكم أمره، وإنما جعل إنذاره بين يدي عذاب شديد؛ لأنّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مبعوث قرب الساعة، كما جاء في الحديث:"بعثت أنا والساعة جميعًا إن كادت لتسبقني".
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفا ذات يوم، فقال:"يا صباحاه"، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لك؟ فقال:"أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبّحكم أو يمسيكم، أما كنتم تصدّقوني" قالوا: بلى، قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا، فأنزل الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)}.
٤٧ - ولما نفى عن رسوله الجنون، وأثبت له النبوّة .. أمر الله سبحانه رسوله أن يخبرهم أنه لم يكن له غرض في الدنيا, ولا رغبة فيها، حتى تنقطع عندهم الشكوك، ويرتفع الريب، فقال:{قُلْ} لهم يا محمد {مَا}؛ أي: أيُّ شيء {سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}؛ أي: من جُعْلٍ على تبليغ الرسالة {فَهُوَ لَكُمْ} والمراد: نفي السؤال بالكلية؛ أي: لا أسالكم على إنذاركم أجرًا، كقول من قال لمن لم يعطه شيئًا: إن أعطيتني شيئًا .. فخذه، وقال بعضهم؛ لما نزل قوله تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} .. قال عليه السلام لمشركي مكة:"لا تؤذوني في قرابتي"، فكفوا عن ذلك، فلما سبّ آلهتهم .. قالوا لم ينصفنا يسألنا أن لا نؤذيه في قرابته، وهو يؤذينا بذكر آلهتنا بسوء، فنزل:{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}