للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٧٣ - ثم بين سبحانه السبب في ترك تعجيل العذاب، فقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ}؛ أي: إفضال وإنعام {عَلَى النَّاسِ}؛ أي: على كافة الناس، ومن جملة إنعاماته تأخير عقوبة هؤلاء على ما يرتكبونه من المعاصي التي من جملتها استعجال العذاب، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}؛ أي: لا يعرفون حق النعمة، فلا يشكرون فضله وإنعامه عليهم.

والمعنى: أي وإن ربك لهو المنعم المتفضل على الناس جميعًا، بتركه المعاجلة بالعقوبة على المعصية والكفر، ولكن أكثرهم لا يعرفون حق فضله عليهم، فلا يشكره إلا القليل منهم، وفيه (١) إشارة إلى أن استعجال منكري البعث في طلب العذاب الموعود لهم من غاية جهلهم بحقائق الأمور، وإلا فقد ردفهم أنموذج من العذاب الأكبر، وهو العذاب الأدنى من البليات والمحن.

٧٤ - ثم بيَّن أنه مطلع على ما في صدورهم، فقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} وتُخفي وتستر {صُدُورُهُمْ} وقلوبهم من الخواطر {و} يعلم {وَمَا يُعْلِنُونَ}؛ أي: ما يظهرون لغيرهم من الأقوال والأفعال، التي من جملتها ما حُكي عنهم من إستعجال العذاب، وفيه إيذان بأن لهم قبائح غير ما يظهرونه، وأنه تعالى يجازيهم.

والمعنى: أي وإن ربك يعلم الضمائر والسرائر، كما يعلم الظواهر، كما قال تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}، وقال: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}.

وقصارى ذلك: أنه يعلم ما يخفون من عداوة الرسول ومكايدهم له، وما يعلنون، وهو محصيها عليهم، ومجازيهم بذلك.

وقرأ الجمهور (٢): {مَا تُكِنُّ} بضم التاء من أكن الشيء إذا أخفاه، وقرأ ابن محيصن وحميد وابن السميقع: - بفتح التاء وضم الكاف - من كنَّ الشيء من باب نصر، يقال: كننته بمعنى سترته وأخفيت أثره.


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.