٧٥ - {قَالَ} الله تعالى لإبليس مشافهة، حين امتنع من السجود:{يا إِبْلِيسُ}؛ أي: يا خبيث، وهذه مشافهة لا تدل على إكرام إبليس، إذ يخاطب السيد عبده بطريق الغضب، وتمامه في سورة الحجر. {ما} استفهامية؛ أي: أي شيء {مَنَعَكَ} من {أَنْ تَسْجُدَ}؛ أي: أي شيء دعاك إلى ترك السجود {لِمَا}؛ أي: لمن {خَلَقْتُ} وأوجدت {بِيَدَيَّ}؛ أي خصصته بخلقي إياه بيدي كرامة له؛ أي: خلقته بذاتي، من غير توسط أب وأم، فذكر اليد لنفي توهم التجوز؛ أي: لتحقيق إضافة خلقه إليه تعالى، والتثنية في اليد، لما في خلقه من مزيد القدرة، واختلاف الفعل، فإن طينته خمّرت أربعين صباحا، وكان خلقه مخالفًا لسائر أبناء جنسه، المتكونة من نطفة الأبوين، أو من نطفة الأم مميزًا عنهم، ببديع صنعه تعالى.
{أَسْتَكْبَرْتَ}؛ أي: أتكبرت عن السجود لآدم من غير استحقاق التكبر، بقطع الألف، أصله: أاستكبرت، أدخلت همزة الاستفهام للتوبيخ، والإنكار على همزة الوصل، فحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام، وبقيت همزة الاستفهام مفتوحة. {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}؛ أي: من المستحقين للتفوق والعلو، ويحتمل أن يكون المراد بالعالين: الملائكة المهيّمين، الذين ما أمروا بالسجود لآدم، لاستغراقهم في شهود الحق، وهم الأرواح المجردة.
والمعنى (١): أتركت السجود لاستكبارك الحادث، أم لاستكبارك القديم المستمر؟. لكن جواب إبليس بقوله:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} لا يطابقه؛ لأنه أجاب: بأنه إنما ترك السجود، لكونه خيرًا منه، وعاليا بالنسبة إليه، وبيّن ذلك بأن أصله من النار، وأصل آدم من الطين، والنار أشرف من الطين؛ لأن الأجرام الفلكية أشرف من الأجرام العنصرية، والنار أقرب العناصر من الفلك، والأرض أبعدها منه، وأيضا النار لطيفة نورانية، والأرض كثيفة ظلمانية، واللطافة والنورانية خير من الكثافة والظلمانية، اهـ «زاده».