قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء، فيجدون أكثر منهم وأعز نفرًا، فينقضون حلف هؤلاء، ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز نفرًا، فنهوا عن ذلك، وقيل: هو تحذير للمؤمنين أن يغتروا بكثرة قريش وسعة أموالهم، فينقضوا بيعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والظبي وإن كان واحدًا فهو خير من قطيع الخنزير.
ومحل {هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} نصب على كونه خبر كان، وفي "المدارك": {هِيَ أَرْبَى} مبتدأ وخبر في موضع الرفع صفة لأمة، و {أُمَّةٍ}: فاعل {تكون} وهي تامة، كما سيأتي في مبحث الإعراب إن شاء الله تعالى.
{إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ}؛ أي: بأن تكون أمة هي أربى من أمة؛ أي: يعاملكم بذلك معاملة من يختبركم لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله، أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم، وقلة المؤمنين وضعفهم بحسب ظاهر الحال، والضمير في {بِهِ} إما عائد على المصدر المنسبك من {أَنْ تَكُونَ} أو على الوفاء بالعهد.
ثم أنذر وحذر من خالف الحق وركن إلى الباطل فقال:{وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: وعزتي وجلالي ليبينن لكم ربكم يوم القيامة إذا وردتم عليه، لمجازاة كل فريق منكم على عمله في الدنيا، المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته {مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} في الدنيا من إقرار المؤمن بوحدانية ربه، ونبوة نبيه، والوحي إلى أنبيائه، وتكذيب الكافر بذلك كله، وهذا إنذار وتخويف من مخالفة ملة الإِسلام ودين الحق، فإنها مؤدية إلى العذاب الأبدي.
٩٣ - وبعد أن أبان أنه كلَّفهم بوفاء العهد، وتحريم نقضه .. أتبعه ببيان أنه قادر على جمعهم على هذا الوفاء، وعلى سائر أبواب الإيمان فقال:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى مشيئة قسر وإلجاء، {لَجَعَلَكُمْ} أيها الناس {أُمَّةً وَاحِدَةً} متفقة على الإِسلام {وَلَكِنْ} لم يشأ ذلك لكونه مزاحمًا للحكمة الإلهية، بل شاء اختلافكم لحكمة لا يعلمها إلا هو، ولذلك {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} إضلاله بخذلانه إياه عدلًا منه، {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} هدايته بتوفيقه إياه فضلًا منه، وذلك مما